ليتنا نتعلم قليلا من الدكتور «هل» ونطبق طريقته في تعويد أبنائنا الإنصات للآخر دون الرغبة في مقاطعته والسخرية من كلامه، لعلنا بعد ذلك نرى النسبة التي ذكرها الأستاذ النغيمش في دراسته تتناقص قليلا ونتوقف عن مشاهدة صراع الديكة الجدلي العقيم، والمستمر دون داع في كل زاوية من زوايا الوطن العربي الكبير!
في كتابه الرائع «لا تقاطعني» دراسة أعدها الأستاذ محمد النغيمش بمعية الدكتور يوسف الفيلكاوي تقول إن 70 في المئة من العرب المشاركين في البرامج الحوارية التلفزيونية لا يتحلون بآداب المقاطعة والحوار، وإن الرجال أكثر مقاطعة من النساء بنسبة 88 في المئة مقابل 53 في المئة، وإن كثرة المقاطعات تشتت أفكار المتحاورين وتربكهم، وهي انعكاس لأزمة الحوار والإنصات في العالم العربي! أكثر سبب لمقاطعة المتحدث كما تذكر الدراسة هو الرغبة الملحة في «طرح سؤال عليه» وذلك بنسبة 43 في المئة، بينما كانت خمسة في المئة بسبب الحاجة إلى تغيير الموضوع أو التهكم على المتحدث، والغريب، أن المتكلمين الذين يتعرضون إلى مقاطعة حديثهم يستمرون في الكلام من دون توقف! أي أنهم لا يأبهون بمن يقاطعهم، وهو سبب رئيس في إحداث فوضى الحوار على الشاشة، ما قد يدفع المشاهدين إلى الانصراف نحو فضائيات أكثر جاذبية في الحوار، وتخلص الدراسة إلى أن مشكلة الحوار تبدأ من البيت والمدرسة لنجد نتائجها السلبية في العمل وعلى شاشات التلفزة!والحقيقة أنني أؤيد ما ذهب إليه الأستاذ النغيمش في دراسته، فالعلة كلها في التنشئة الخاطئة والتعامل السيئ للآباء والأمهات مع أطفالهم بعدم تعويدهم على ثقافة الإنصات للآخر والاستفادة من أفكاره، حيث يتبع معظمهم أسهل الطرق في الإجابة عن تساؤلات أطفالهم بكلمة واحدة دون أن يتناقشوا معهم مناقشة منتجة، يتعلمون من خلالها أدب الحوار واحترام الرأي الآخر بدل اعتباره خصماً يجب إفحامه وتسفيه رأيه والسخرية منه!قرأت مرة لدكتور جامعي اسمه «ريبين هل» يشرح تجربته الجميلة في هذا الأمر، أعني كيفية تعليم أبنائه أدب الحوار والنقاش، إذ يذكر أنه في إحدى الليالي بينما كان ابنه «ديفيد» البالغ من العمر 5 سنوات يهم بالصعود إلى سريره إذا به يسأل والده عن السبب في عدم سقوط القمر والنجوم كما تسقط قطع الثلج في الشتاء، وبدلا من أن يجيب الدكتور بنفسه عن السؤال، خطر له أن يلقي بمسؤولية الإجابة على ابنه الآخر «جاري» البالغ من العمر 7 سنوات قائلا: «ماذا تعتقد أنت؟!» فانطلق «جاري» بأفكاره عن الموضوع، وسرعان ما أخذ «ديفيد» نفسه يقدم تصورات أخرى من عنده ليثرى الحوار والنقاش الذي شاركهم والدهم فيه دون أن يقدم رأيه على أنه الحقيقة الوحيدة!يقول الدكتور «هل» منذ تلك الليلة التي اتبعت بها طريقة «وماذا تعتقد أنت؟» أصبح الأمر المعتاد في أمسيات منزلنا أن تدور النقاشات حول العديد من المسائل التي تشغل أذهان الأطفال مثل الاختلافات بين الرجل والمرأة والموت والسماء والفقر، واستطاع الأطفال على هذا النحو أن يحصلوا على ثروة من الأفكار الجديدة، وأصبحت هذه المسألة بالنسبة إلينا وإلى كثير من أصدقائنا الذين اتبعوها أقصر الطرق لتعلم احترام آراء الآخرين والاستفادة منها.ليتنا نتعلم قليلا من الدكتور «هل» ونطبق طريقته في تعويد أبنائنا الإنصات للآخر دون الرغبة في مقاطعته والسخرية من كلامه، لعلنا بعد ذلك نرى النسبة التي ذكرها الأستاذ النغيمش في دراسته تتناقص قليلا ونتوقف عن مشاهدة صراع الديكة الجدلي العقيم، والمستمر دون داع في كل زاوية من زوايا الوطن العربي الكبير!
مقالات
... وماذا تعتقد أنت؟!
15-07-2011