لبنان المتوحش... ونبيل باشا العربي!
لبنان ذلك البلد العربي الذي طالما سوَّق نفسه على أنه سويسرا الشرق بجمال طبيعته وروعة تضاريسه، وخليط سكانه من الطوائف والعرقيات الموجودة فيه أو التي جاءت إلى أرضه بحثاً عن الحرية والعيش بسلام، وكذلك كنقطة ملتقى لحضارات الشرق والغرب، وبلد فيروز والرحابنة والمكتبات وحرية النشر والرأي، وموقع الجمال البشري والفنون والديمقراطية. لبنان ذلك هو نفسه بلد الحرب الأهلية الدموية التي استمرت أكثر من 15 عاماً، والخطف والتفجير، هو ذاته لبنان الذي ينتزع جنودا سوريين جرحى من على أسرة المستشفيات في عكار ليسلمهم إلى سورية ليلقوا مصيرهم المحتوم هناك، وهو الذي يعتقل رجالاً وأطفالاً سوريين نازحين إليه بسبب الانتفاضة الشعبية السورية المطالبة بالديمقراطية، كما يقول النائب اللبناني معين المرعبي ويشير إلى أن ذلك يتم بموجب تعليمات من رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
الراصد للوضع اللبناني يرى أن لبنان يتجمل بكثير من مساحيق الماكياج التي تتوافر له طبيعياً بسبب تضاريسه الجغرافية أو بعض فلتاته البشرية المبدعة في عدة مجالات أدبية وفنية وعلمية، بينما سجل أحداثه مليء بالوحشية والقتل والانتقام، وغالباً ما كان اللبنانيون يبرئون أنفسهم من أحداث الحرب الأهلية في بلدهم ويقولون: إنها حرب الآخرين على أرضهم، بينما الواقع يقول إن الآخرين كانوا دائماً يجدون في لبنان أدوات محلية لتنفيذ جرائمهم وأفعالهم الوحشية، وموطناً لعدة جماعات إرهابية، وهو الأمر القائم حتى اليوم، فالأدوات متوافرة للآخر في لبنان متى شاء وكيفما شاء، وتلك الأدوات قادرة على أن تضع الأيديولوجيا والأسباب وخارطة العمل لمن يريد خدماتها لتبدأ على الفور بالعمل على أرضها وعلى حساب أبناء شعبها ومقدرات ومستقبل وطنها. لكنني لم أكن أتصور مثل كثيرين، أن تصل ببعض ساسة لبنان الوحشية ويرفضوا مساعدة النازحين السوريين وهم يحملون جرحاهم وأطفالهم ونساءهم، أو كما وصفهم بشكل سلبي مسؤول العلاقات الخارجية في «حزب الله» نواف الموسوي، أو كما فعلت مخابرات الجيش اللبناني بتوجيهات من قائد الجيش ورئيس الجمهورية بتسليم جنود جرحى ورجال إلى الجانب السوري رغم التزام لبنان باتفاقية مناهضة التعذيب الدولية التي تجرم وتسائل قضائياً من يقوم باتخاذ مثل هذه القرارات. تاريخ لبنان المعاصر يثبت أن لبنان الحقيقي ليس هو تلك الفتيات مفتولات المفاتن من صدور ومؤخرات وتقاطيع صنعتها مشارط جراحي التجميل على الفضائيات، وليس أيضاً وائل كفوري «الحمر العطر» ولا أغاني فيروز التي تميل الى أداء الأوبرا والسبرانو الغربي التي لا تمت للطرب الشرقي بصلة، ولا حفلات ستار أكاديمي وملكات الجمال وعروض الأزياء، ولا أحلام الراحل جبران تويني في جريدة النهار، وافتتاحيات طلال سلمان المتناقضة في صحيفة السفير، بل هو صراع الطوائف الدموي وقتالها الشرس المستمر على السلطة والمال بأي وسيلة كانت وبدعم من أي طرف كان حتى ولو كان على حساب استقلال بلدهم وسيادته، ولبنان أيضاً هو حروب خطوط التماس التي تعلم منها العالم معنى القتل على الهوية على نقاط التفتيش، والبلد الذي يسلم المستجير به إلى مطارده ليلقى حتفه أو يعذب حتى الموت، وهو لبنان الذي لا يحمل شيئاً من تسامح وقيم تعايش مواطني سويسرا التي يتشبه بها... إنه حقيقة لبنان المتوحش مهما كثرت مساحيق تجميله وتنوعت!***المواطن العربي الأول نبيل باشا العربي أمين جامعة الدول العربية «صح النوم» الأمم المتحدة على لسان أمينها العام بان كي مون تقول إن هناك 1100 قتيل مدني سوري في الاحتجاجات المطالبة بالحرية والديمقراطية، و»اليونيسيف» تعلن أن 30 طفلاً سورياً قتلوا كذلك، ومنظمات دولية تناشد العالم التدخل للسماح لها بزيارة المدن المحاصرة (درعا، تلبيسة، الرستن، حمص) للاطلاع على الأوضاع الإنسانية هناك وصور حمزة الخطيب وأخبار هاجر تملأ العالم... ولذلك نحلفك يا باشا بالنبي ورحمة العزيز عندك أن تعزم مندوب سورية في جامعتكم العتيدة على فنجان قهوة في كازينو قصر النيل المقابل لمبنى الجامعة وتأخذ معاك «اثنين شهود» من مندوبي الدول العربية، وتسأله بينك وبينه متى سيتم القضاء على المندسين في الشام حتى يرتاح أهلها المدنيون، لأنه يبدو أن قاعات جامعة الدول العربية لا تتحمل مناقشة هذه القضية، لأنها ربما تكون مليئة بالمندسين الذين قد يكشفون خطط وأسرار مواجهتهم!