زمننا السياسي الحالي هو زمن ضائع بموالاته ومعارضته على حد سواء. وللأسف فلا موالاتنا موالاة ولا معارضتنا معارضة ولا سياستنا سياسة. كأننا في مسابقة حلبة رقص لا تنتهي، تستمر أياماً وربما أسابيع، فيخرج فيها من تملكه التعب، ويفوز بالجائزة من يستمر حتى النهاية.

Ad

كان ذلك مشهداً من فيلم "إنهم يقتلون الجياد، أليس كذلك؟" الفيلم تم عرضه سنة 1969 وأخرجه المخرج المبدع سيدني بولاك. قصة الفيلم مبنية على رواية صدرت في 1935 لمؤلفها هوراس مكوي. موضوع الرواية مستوحى من حقبة الكساد العظيم التي ضربت الولايات المتحدة فدمرتها اقتصادياً ونثرت الإحباط في كل الأروقة. تدور قصة الرواية حول عدد من الشخصيات المحبطة التي يريد كل منها الفوز بجائزة مسابقة الرقص التي كانت سائدة في تلك الفترة، حيث يصل الناس فيها إلى درجة الإغماء في سبيل الحصول على الجائزة وهي 1500 دولار، كل ذلك لإرضاء رغبات متوحشة لجمهور بلغ منه الإعياء مبلغه، حالة انسداد مطلقة.

إنتاج الفيلم بحد ذاته كان قصة تروى، ففي بداية الخمسينيات من القرن الماضي أراد شارلي شابلن أن يقوم بإنتاج فيلم بالتعاون مع المخرج نورمان لويد فقام لويد بشراء حقوق الإنتاج من مؤلف الرواية مقابل 3000 دولار (مبلغ كبير في ذلك الزمان)، وكانت الخطة أن يقوم بدور البطولة سيدني بن شارلي شابلن والوجه الجديد حينذاك مارلين مونرو. وعندما استكملت الإجراءات الأولية، قام شابلن في سنة 1952 بأخذ عائلته إلى بريطانيا بينما كان يفترض أنها رحلة قصيرة، إلا أنه لم يسمح له بالعودة كونه بريطاني الجنسية استناداً إلى أنه يمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي وقد أدى منعه من العودة إلى إلغاء العمل بالفيلم نهائياً.

حقبة ملاحقة الكتاب كانت معروفة في التاريخ الأميركي بالحقبة المكارثية وهي حقبة ظلامية كان يتم فيها الاعتداء على حرية التعبير وقمع الكتاب والفنانين باتهامهم بالشيوعية.

عمليات "صيد الساحرات" كما كان يطلق عليها حينذاك كانت تتم بقيادة إدغار هوفر مدير مباحث الـ"إف بي آي" الذي اشتهر بتجاوزه للقانون بحجة الدفاع عن المصلحة الوطنية العليا (بالمناسبة هناك فيلم جديد لم يصل إلى دور العرض بعد بعنوان إدغار هوفر يفترض أنه جيد وسيقوم بدور البطولة فيه ليوناردو دي كابريو). مات مؤلف الرواية هوراس ماكوي بعد 16 عاماً وبالتالي انتقلت حقوق الكتاب إلى ورثته الذين رفضوا تجديد تعاقدهم مع لويد كونه لم يوف بالتزاماته. وهكذا دخل سيدني بولاك على الخط وأقنع بصعوبة جين فوندا لتقوم ببطولة الفيلم، والتي كانت تراه غير مقنع.

حصل الفيلم على العديد من الجوائز، ولكنه ظل مثيراً للجدل. حيث تمضي الحياة العبثية التي يلهث فيها الناس فتقودهم إلى الانتحار، وبالتالي عندما تمرض الجياد فإنهم يقتلونها بإطلاق النار على رأسها.

لأمر ما تشعرني حالتنا السياسية بالإنهاك وعدم وجود مخرج، أو ضوء في نهاية نفق طويل، من يدري، قد يأتي ذلك اليوم الذي لن نجد بيننا أهل صلاح وثقة ودراية ليقودوا المجتمع نحو الاستقرار والتقدم. وقد يتصدر المشهد السياسي حفنة من الجياد المنهكة التعبة التي لا تصلح لا لحرث ولا نقل، ولربما ان هذا الزمن هو زمننا، حينها، ربما قد يقول قائل إنه لم يعد أمامنا إلا إزاحة تلك الجياد المصابة للحفاظ على قدر من التماسك الذهني، "إنهم يقتلون الجياد أليس كذلك؟".