العالم العربي بين الواقعية والمثالية (2)

نشر في 13-09-2011
آخر تحديث 13-09-2011 | 00:01
No Image Caption
 د. ندى سليمان المطوع كلما ازدادت الأزمات استقطبت الباحثين من هواة العلم والمعرفة والمهارات التحليلية لدراسة أسباب نشوب الحروب، ومحاولة التوصل إلى سبل تفاديها، وبالتالي معرفة العوامل الرئيسة التي تعزز الأمن والاستقرار.

وقد توصلنا من خلال مقالة الأسبوع الماضي إلى واقع جديد، وهو حاجة الباحثين العرب إلى الأسلوب المتجدد لتحليل العلاقات الدولية والسياسة الخارجية في العالم العربي, في الوقت الذي تزدحم فيه  المؤسسات الأكاديمية الأجنبية والمراكز البحثية بمفاهيم جديدة للعلاقات الدولية والمجتمع الدولي، آخذين بعين الاعتبار الواقعية والمثالية كمدارس فكرية سلوكية تعود لفترة ما قبل الزمن الإغريقي القديم.

وكما تطرقنا للمثالية بشكل مختصر في الأسبوع الماضي، سنحاول إلقاء الأضواء على الواقعية كمدرسة تحليلية، فبعد تعثر مفهوم  العالم المثالي الذي نادى بإمكان تفادي الحروب، ومنع صعود شخصيات وتكتلات دكتاتورية ذات أطماع توسعية، وبعد تعثر  جهود عصبة الأمم في نزع فتيل الأزمة التي تسببت في اندلاع الحرب العالمية الثانية، عاد باحثو العلاقات الدولية إلى الكتب القديمة التي وثقت أحداث حروب ونزاعات أوروبا، وأبرزها كتاب هوغو غروتيوس "قانون الحرب والسلام" الذي عاصر الحرب البلوبونيزية الإغريقية.

وكتب عن أساليب ودوافع العنف والحروب، بالإضافة إلى ما يسمى "بأخلاقيات الاختلاف والنزاع"، ولو قرأنا ما يكتب عن تطور "المجتمع" أو القانون الدولي اليوم لوجدنا تطابقا بين قوانين ثيوسايدس وغروتيوس مع الواقع الحالي.

وفي ذلك السياق، أذكر أن ما لا يعرفه البعض عن التحليل الواقعي  هو أنه- رغم اعتباره الحروب شيئا متأصلا في النظام الدولي- يميل إلى التفاؤل على الأمد القصير.

ويسعى الباحثون إلى إيجاد الوسائل التي تساعد في إشاعة العلاقات الجيدة والحفاظ عليها، وهنا كأي عمل إداري استراتيجي تبرز الحاجة إلى المهارات الدبلوماسية، التي لم تعد في الزمن الحديث لمن يمتهن العمل الدبلوماسي فحسب، بل للشخصيات الفاعلة والمؤثرة, وبالتالي استناد بعض محللي العلاقات الدولية إلى ذلك النموذج في تحليل علاقات الشرق الأوسط كالباحثين احتشامي وهاليداي في أوراقهما الخاصة بتحليل السياسة الخارجية لدول الشرق الأوسط.

ومن أبرز المفاهيم التي سعى الباحثون إلى تفسير أهميتها "القوة، وتوازن القوى"، فالقوة للدولة تقاس بمؤشرات متعددة منها التميز في استخدام الدبلوماسية، وإدارة الدولة، وحسن استخدام الموارد بأنواعها، ومن ضمنها بالإضافة إلى الطبيعية كالبترول، والمعادن، والقوى الجديدة الصاعدة، وهي التكنولوجيا.

وقد استخدم البعض مفاهيم توازن القوى في التحليل السياسي كالاسكتلندي ديفيد هيوم، الذي يعتقد أن توازن القوى أساسي لوضع حد للفوضى الدولية.

خلاصة الأمر: لو نظرنا إلى الماضي من خلال المدرسة الواقعية  لوجدنا، "المشاغب" الذي عاصر ما يكفي من الحروب الأوروبية  ليضع قانون الحرب والسلام أي غروتيوس، و"الدبلوماسي" الذي عاصر النبلاء في عصر النهضة توصل من خلالها إلى مفاهيم كالعلاقة بين القيادة والمصلحة الشخصية والمنفعة المتبادلة، وهو ميكيافيللي, والصيني تسو الذي درس مسببات الحروب والسعي إلى القوة, وكواتيليا الهندي ذو المقولة "عدو عدوي صديقي".

فما علينا اليوم إلا إعادة قراءة تلك الوثائق وتحفيز المحللين للعودة إلى نظريات العلاقات الدولية والمدارس الفكرية؛ لمحاولة الوصول للنموذج السليم للواقع العربي، الجديد.

كلمة أخيرة:

أثبتت وثائق "ويكيليكس" للأسف انتشار أسلوب "الغيبة والنميمة"، وساهمت في رسم الصورة الخاطئة عن الكويت والكويتيين، حتى عائلتنا الكريمة لم تسلم من التشكيك والتحريف "الجغرافي" في الحقائق التاريخية، فكيف سنتعامل مع ما ينشر؟!

back to top