غير مستغرب أن تكون قد جرت محاولة انقلاب عسكري في سورية في الأيام الأخيرة، فالبلاد بعد عشرة أشهر وأكثر من استخدام النظام للعنف المفرط، بدأت تدخل مرحلة غير مسبوقة من الفوضى والاضطراب، حيث تفاقمت ظاهرة الانشقاق عن الجيش الحكومي وباتت تشمل رتباً عالية ومن مواقع حساسة، وحيث أيضاً وصل لهب الثورة إلى ما كان هذا النظام يعتبره حصونه وقلاعه المنيعة مثل دمشق وحلب، وهذا كله يعني أن قبضة بشار الأسد قد أصيبت بالارتخاء، وأن لحظة السقوط والانهيار غدت قريبة.

Ad

منذ البداية، كانت هناك مراهنة على أن الجيش سيتحرك ليمسك بمقاليد الأمور تفادياً، في ضوء إصرار بشار الأسد ومجموعته على استخدام العنف المفرط ضد هذه الاحتجاجات حتى عندما كانت لاتزال سلمية، لاندلاع حرب أهلية على أساس طائفي، وحقيقةً فإن التقديرات كانت تجمع على أن بعض الضباط "العلويين" الذين يخالفون هذا النظام في توجهاته سيسارعون بالتعاون مع زملاء لهم من الطوائف الأخرى، وبخاصة من الطائفة السنية، إلى القيام بانقلاب عسكري سريع يزيل هذه الطغمة الحاكمة ويجنب سورية خطر التمزق والتشظي وانهيارها لحساب بديل مرفوض هو الدويلات المذهبية.

لكن هذا لم يحدث في الفترة المتوقعة، والسبب هو أن الرئيس السابق حافظ الأسد، الذي كان يخشى أكثر ما يخشاه، كبار الضباط من الطائفة العلوية التي هي طائفته، قد بادر إلى إعادة تركيب الجيش السوري الذي بقي وزير دفاع له سنوات طويلة بحيث ضمن ولاءً مطلقاً له ولعائلته من قبل بعض تشكيلات النخبة كالفرقة الرابعة التي يقودها الآن ماهر الأسد وكالحرس الجمهوري وكسلاح الجو وكل الأجهزة الأمنية العسكرية والمدنية، كل هذا إضافة إلى أن عملية التصفيات المتلاحقة وبخاصة للضباط العلويين غير المضمون ولاؤهم لم تتوقف ولا لحظة واحدة على مدى أربعين عاما وأكثر.

إن كل هذا قد خيَّبَ ظن الذين كانوا يراهنون على انقلاب عسكري إنقاذي منذ أخذ النظام يلجأ إلى القمع والإفراط في العنف ضد شعب أعزل كان يريد لانتفاضته أن تبقى سلمية، وألا تتحول إلى المواجهة العسكرية، لكن الآن وقد بدأت قبضة هذا النظام تتراخى على هذا النحو فإن العودة إلى هذه المراهنات السابقة تبدو منطقية، بل لعل ما يمكن اعتباره مسألة حتمية أن نهاية حكم عائلة الأسد، الذي استطال أكثر من أربعين عاماً، ستكون على أيدي بعض ضباط هذا الجيش، ومن بينهم بالتأكيد بعض الضباط العلويين الذين يرفضون أن تكون هناك دويلة طائفية علوية، والذين لا يقبلون أن تدفع طائفتهم ثمن ما فعلته هذه العائلة بسورية، وما فعلته هي ومن يَلْتَفُّ حولها من أبناء الأعمام والأخوال بالشعب السوري.