في مناسبة اجتماعية ولقاء عابر قال الناشر والناشط السياسي أحمد الديين: «نحن في إطار تصفية مكتبة قرطاس». الخبر في حد ذاته ليس جديداً، فقد كان متوقعا منذ زمن، أو عدة أشهر خلت. وتأتي تصفية هذه المكتبة في خطوة لاحقة بعد تلك الضجة التي أثيرت قبل عدة أعوام حين أعلن الناشر يحيى الربيعان تصفية مكتبته، ووضع محتوياتها على الرصيف بـ»ربع دينار» للكتاب الواحد، الأمر الذي أثار شجن كثير من المثقفين ومحبي الكتاب، لما تحمله مكتبة الربيعان من مكانة خاصة بالنظر إلى تاريخها العريق محليا في مجال نشر وبيع الكتاب. القضية في حينها أثارت حفيظة وسائل الإعلام، فتلقى الربيعان تبرعا ماليا «معقولا» يضمن استمرار المكتبة دون انقطاع. هل الأمر ذاته يحدث مع مكتبة قرطاس التي ساهمت منذ نشأتها في نشر الثقافة الجادة من مؤلفات فكرية وإبداعية وأدبية؟ الأمر متروك للجهات المسؤولة، ولكن الثابت أن إغلاق هذه المكتبة ومحوها من الوجود يعدّ خسارة كبيرة للقطاع الثقافي «الجاد» في الكويت.
قد يقول قائل إن تلك الثقافة الجادة هي السبب وراء «إفلاس» المكتبات، وتحضرني هنا مقولة ليحيى الربيعان في إطار إجابته عن سؤال صحافي كنت طرحته عليه قبل ما يربو على ستة أعوام، بشأن نجاح الاستثمار في مجال الكتاب لدى بعض الدول المجاورة، «مكتبة جرير» على سبيل المثال. فقال إن أصحاب جرير أنفسهم يقولون: «ليست مجرّد مكتبة»، بمعنى أن نجاح المشروع الاستثماري لهذه المكتبة قائم على «منتجات أخرى» غير الكتاب، فهم يستثمرون حتى في مجال الإلكترونيات.محليا تبدو مكتبة العجيري هي الوحيدة الصامدة في وجه الرياح العاتية، ولكن هذه الأخرى أيضا تعتمد على جناح آخر متمثل في قطاع القرطاسية لدعم الكتاب المقروء، بمعنى أن «العجيري» لو استغنت عن هذا القطاع لأقفلت أبوابها منذ زمن.وبالطبع فإن المعالجة في قطاع الثقافة لا تتوقف على هذه «الحيل» التجارية المعروفة لكل المستثمرين، بل إن الأمر يحتاج دعما ورعاية حكومية لهذا القطاع فنحن في أوطان لا تعير شعوبها للكتاب أي وزن، والدعم الحكومي لمكتبات من هذا النوع يساهم في استمراريتها، وفي تقليل سعر الكتاب بعامة، إذ يستحيل أن تعامل قوانين وزارة التجارة من يتصدى لمشروع مكتبة كمن يستثمر في قطاع الدواجن مثلا، أو اللحوم المثلجة، وهذه الفجوة في التشريعات تسبب إحباطا للمستثمرين في مجال النشر، إذ لا يجدون أي تقدير أو تمييز لبضاعتهم.ومن الملاحظ أن موجة الإضرابات، والوقفات الاعتصامية التي تشهدها الكويت حاليا بعيدة كل البعد عن منظمات المجتمع المدني «الثقافية بخاصة»، فهذه الزيادات التي يطالب بها الموظفون الحكوميون، تذهب في نهاية المطاف إلى «جيوب التجار» في شكل سلع استهلاكية، ليس لها أي علاقة بنمو المواطن ثقافيا أو وجدانيا، ولعل من المناسب الآن أن تطالب الجهات الثقافية بدعم وزيادة لمخصصاتها المالية من وزارة الشؤون، أو أية جهة حكومية أخرى تدعمها، ومخطئ من يظن أن دعم مكتبة العروبة مثلا أو قرطاس، أو آفاق، هو دعم شخصي لأصحاب هذه المكتبات بقدر ما هو دعم للحالة الثقافية في الكويت. فوضع النشر في الكويت ليس جيدا، بدليل عدم وجود دار نشر وحيدة تصمد لأمد بعيد، إذا ما استثنينا تلك الجهود التي يبذلها أدباء بمبادرات خاصة وبالتعاون مع مكتبات في بيروت كما هو حاصل الآن مع داري «مسعى» و«الفراشة». ولا تعدم الحكومة طريقا لدعم أصحاب المكتبات، أو المستثمرين في هذا المجال، ابتداء بتوفير قطعة من الأرض أو تقديم هبات مالية لأصحابها، مع تقديم ضمانات وشروط محددة، وهو أمر لا يتحقق إلا بتحرك جاد من الأدباء أنفسهم. الأمر الذي لا يظهر للعيان حتى هذه اللحظة.
توابل
تطلعات الناشرين
25-09-2011