إيران قادمة!!
ليضع الذين يختبئون وراء أصابع أيديهم، حتى لا يروا كل هذه المآسي التي تحدث في سورية، في اعتبارهم أن فشل هذه الانتفاضة الشعبية سيشكل انتصاراً تاريخياً لإيران في هذه المنطقة، فحقيقة، وهذا ربما لا يريد أن يعترف به بعض العرب حتى لا يحرجوا أنفسهم أمام شعوبهم، أن دولة الفقيه قد دخلت هذه المعركة الحاسمة بأموالها ونفطها وخبرائها واستخباراتها منذ اليوم الأول، وذلك على اعتبار أنها معركتها التي سيتقرر في ضوء نتائجها مستقبل المشروع الإيراني الإمبراطوري في الشرق الأوسط كله.كل شيء معلن، فمرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي رصد أكثر من ثمانية مليارات دولار قابلة للزيادة من أجل هذه المعركة، بالإضافة إلى نهر متدفق من النفط قوامه مئات الألوف من البراميل، بالإضافة إلى أعداد غير معروفة من خبراء القمع وإحباط الاحتجاجات من حراس الثورة وفيلق قاسم سليماني، فيلق القدس، الذي يسرح ويمرح الآن في العراق، وبالطبع في لبنان بغطاء من حزب الله، بالطول والعرض ويفرض نفسه على كل شيء.
هناك إعادة صياغة لمعادلة هذه المنطقة كان شرفاء هذه الأمة قد حذروا منها مبكراً عندما تحدثوا عن أن طهران منهمكة في إنشاء هلال إيراني لا شيعي، جغرافي وديموغرافي، أحد طرفيه في صعدة في اليمن وطرفه الآخر في ضاحية بيروت الجنوبية، وبالطبع فإنه لم يعد خافياً على أحد أن ما سمي «فسطاط الممانعة والمقاومة» الشكلي والوهمي والذي هو من قبيل الضحك على ذقون البسطاء قد افتُعل افتعالاً من أجل هذه الغاية.ولهذا فإن سياسة الاختباء وراء أصابع اليد، التي يمارسها بعض العرب هروباً من رؤية الواقع المؤلم والمبادرة لمواجهته، تقدم أفضل خدمة لهذا المشروع الإيراني المعلن الذي تحدث عنه كبار المسؤولين الإيرانيين المعممين وغير المعممين، ليس فقط في السنوات الأخيرة وإنما منذ أن انتصر الخط المتشدد في الثورة الخمينية التي أطاحت عرش الطاووس، كما هو معروف، في فبراير عام 1979.لا أحد من العرب يريد مواجهة مع إيران لكن عندما ترفض هذه الدولة، التي صفقنا لثورتها الخمينية حتى احمرت أكفنا أملاً في أن تؤسس لحسن جوار مع الدول العربية وتنهي كل التطلعات الإمبراطورية الفارسية في المنطقة، كل محاولات التفاهم معها وتبادر إلى دخول معركة الوضع الداخلي السوري من أعرض الأبواب، فإنه لابد من موقف عربي جاد وفاعل، فالصمت في مثل هذه الحالة جزء من المؤامرة ليس على الشعب السوري وحده الذي يواجه الآن نيران «فسطاط الممانعة» بصدور أبنائه العارية وإنما على الأمة العربية كلها، فهذا الذي يجري في سورية الآن هو محاولة لإعادة صياغة معادلة المنطقة سيتوقف على نتائجها وضع الشرق الأوسط سنوات طويلة.