إسبارطيو الخليج
جاء في صفحة المحرر الأمني بـ«القبس» في عدد أمس مانشيت داخلي عنون بـ«حقوق البدون بعضها نفذ... والبقية حبر على ورق». بقراءة الموضوع يظهر أن العنوان غير متطابق مع صلب الموضوع، كلمة «حقوق» هنا غير موفقة، فهذه الكلمة تعنى أنه يمكن لصاحب الحق، حسب القوانين السارية وليس فقط حسب القانون الطبيعي - يمكن أن يقتَضي حقه جبراً باللجوء إلى القضاء، وهذا غير ممكن لحالات «البدون»، فاللجنة التنفيذية لأوضاع «البدون» هي الخصم وهي الحكم، ولا يمكن للإنسان «البدون» أن يحتكم إلى القضاء بداية لتقرير حقه من عدمه في الجنسية بحكم قانون تنظيم القضاء الذي حرَّم على القضاء النظر في مسائل الجنسية، وتلك صورة قبيحة وفذة لجريمة إنكار العدالة، حين يُصادَر حق الفرد في اللجوء إلى القضاء.فلنسلم جدلاً بأنها ليست حقوقاً، بل مجرد رخص وربما «صدقات» من السلطة التنفيذية للبدون، وليست «مزايا» كما جاء في التحقيق الأمني لـ«القبس». فكلمة مزايا تعني وضعاً متميزاً لفئة أو فرد ما، وهذا لا ينطبق على «البدون»، فهم من غير «حقوق» ومن باب أولى هم من دون مزايا.
«الرخص» التي قررها مجلس الوزراء للبدون (من إحصاء ٦٥ ونسلهم) مثل التعليم، والعلاج ووثائق الزواج وجوازات السفر وشهادات الميلاد والعمل والبطاقة المدنية، جُلّها، باستثناء البطاقة التموينية، وفق تحقيق «القبس»، لم يحصل عليه «بعض» البدون، و«بعض الصدقات» لم يتم تطبيقها مثل التعليم والبطاقة المدنية. كلمة «بعض» الأولى مضللة، فهي قد تفهم على أنهم «قلة»، أو عدد محدود، أو تعني أن العدد غير معروف، وعبرها (البعض) ترتاح اللجنة التنفيذية ويهنأ رياء ضمائر المسؤولين، فهم أدوا الواجب، حتى ولو كانت هناك «حالات للبعض» الذين لم يحصلوا على صدقات اللجنة!السبب حسب التحقيق الصحافي «قيود أمنية»، فإذا كان للبدون على سبيل المثال قريب ولو من الدرجة الرابعة، مثل ابن عم له جنسية عراقية أو سعودية أو إيرانية، أو كان ذلك القريب من الجيش الشعبي أيام الاحتلال أو سافر إلى أي من هذه الدول، يحرم «البدون» هنا من صدقة عطايا مجلس الوزراء، «فالأمن» هنا له أولوية على هدر كرامة بشر، أما «لا تزر وازرة وزر أخرى» ومبدأ شخصية العقوبة، بمفهوم ألا يمتد أثر العقوبة إلى غير مرتكب الفعل المدان، فليس لهذا أو ذاك مكان في ثقافة السلطة الأمنية نحو «البدون».أهل إسبارطة اندثروا لتقديسهم «العرق» أي صلة الدم لبناء الهوية الإسبارطية، وسحقت الإمبراطورية الرومانية المدينة الإسبارطية في ما بعد، وعاملت تلك الإمبراطورية كل مَن يقطنون في أرضها على أنهم رعايا في الدولة الرومانية. فكم «إسبارطي» لدينا في الكويت، سواء كان مسؤولاً أو غير مسؤول كمواطن عادي يحيا هاجس القلق الدائم بتبديد النعم الكويتية على هؤلاء «البدون»!