فن الاستقالات
بين مصدق ومتشكك، ورافض للفكرة ومؤيد لها تقدم وزير الخارجية باستقالته من الحكومة، وما هي إلا ساعات قليلة جداً حتى علم الجميع بقبول الاستقالة، فلم يكن هناك مجال للمدونين والمغردين ولا حتى لمحللي الديوانيات ليتحفونا بتخرصاتهم إن كانت الاستقالة ستقبل أم سترفض؟ وهذا الأمر يحسب لحكومتنا الرشيدة في سرعة الإنجاز واتخاذ القرارات؛ من قال إن كل شيء متعطل؟حتى الآن والأسباب الحقيقية لم تتضح، على الأقل للمواطنين العاديين مثلي، وقد لا نعرفها أبداً، وسيجتهد شباب السياسة في نقل أخبار و"سوالف" وتأكيدات لرواياتهم، وقد تصدق وقد تكون غير ذلك، وستأتي أمواج التاريخ لتطمس أسباب استقالة الشيخ محمد الصباح التي كتبت على سواحل بلدنا المتهالك.
قبل الشيخ محمد الصباح، وفي سنة 2011 استقال وزيران في أوروبا، كلاهما وزيرا دفاع، قد يكون الأمر مصادفة، ولكني أشك أن يكونا قد تواصلا واتفقا على الاستقالة معا، فالأول في العقد الخامس من عمره، ويعتبر أحد فرسان هجمات الأطلسي على قوات القذافي، وزير دفاع بريطانيا، وبسبب أن له صديقا استغل معرفته القديمة مع هذا الوزير والتي تجاوزت 30 عاما، وقدم نفسه في دول أخرى (لاحظ ... ليس في بريطانيا)، فإن هذا الوزير قد أحس بالحرج الذي ألقاه على حكومته التي ينتمي إليها وحزبه الذي يمثله، وبكل مسؤولية وإحساس بآداب المهنة اختصر القصة وقدم استقالة مكتوبة ومسببة وواضحة المعالم، فلم تجد صحافة بريطانيا ما تضيفه على منطوق الوزير... السابق، ويبدو أن الموضوع قد أغلق وذهبت بريطانيا تبحث عن حلول لمشاكلها الاقتصادية دون التوقف عند أمر قد حسم مبكراً. أما صديقه الآخر فهو وزير دفاع ألمانيا، هذا الآخر كانت قصته أبسط من سابقه، فعندما كان طالب دكتوراه لم يشر إلى بعض المراجع العلمية التي اقتبس منها مواضيع أطروحته، وقد اعتبر منتقدوه ذلك خللاً في مصداقية الوزير الشاب الذي كان يرى مكانه على مقعد ميركل خلال سبع سنوات من الآن، فاعترف الوزير بالخطأ واعتذر وترك منصبه، ولكن الجامعة لم تتركه، فسحبت الدكتوراه واعتذرت بدورها، وأيضا تجاوزت ألمانيا معضلة وزير لم يكتب أطروحته بشكل علمي، وذهبت تركض خلف اليونان لتحصيل ديونها.الإحساس بالمسؤولية الإدارية والأدبية كان خلف ترجل هذين الوزيرين، والشفافية طبعت تصرفاتهما، والبحث عن المثالية كان مطلبهما، والأهم من ذلك لم يجد الخصوم ما يتحدثون عنه.تفوق الوزير السابق عادل الصبيح عندما كان وزيراً للنفط على نفسه، وعلى سياسات الحكومة واقتناصات أعضاء مجلس الأمة، فلم يختبئ في عباءة رئيسه، ولم يعقّد حسابات فريقه، فألقى استقالته لحادث يحدث عشرات المرات في السنة، وبكل مسؤولية قال: أنا خارج الحكومة.