زريبة الخنازير، المختارات الشعرية لبير باولو بازوليني 1922-1975، التي ترجمها إلى العربية التونسي محمد بن صالح، ونشرتها دار كلمة، تعطي لقارئ العربية فكرة واضحة عن الانشغالات الأدبية والفكرية لأحد أهم الأسماء الطليعية في الساحة الثقافية الإيطالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإذا كان بازوليني عرف بأفلامه ذات البعد الشعري الغاضب والنقد الاستفزازي، فإن أعماله في الشعر والرواية والمسرح وتنظيراته الأدبية والفكرية العميقة، لم تكن تخلو هي الأخرى من التوتر الحاد والنزوع إلى العنف وتقويض المسلمات، بما يعكس شخصية بازوليني، التي كانت ترفض الركون إلى الامتثالية من أي نوع كان، لذلك، لم يكن من المستغرب أن يعثر عليه ميتاً على شاطئ أوستيا القريب من روما، ورغم أن الجريمة اعتبرت حينها ذات طابع شخصي، غير أن كثيراً من الأصوات الثقافية اعتبرتها جريمة سياسية لها ارتباطات بالاكليروس، نتيجة نقده العنيف وسخريته الصريحة من الكنيسة. تتقاطع في أفلام بازوليني كما في أشعاره الحالة الشعرية كرافعة جمالية للتعبير، ويؤكد بازوليني ذلك المنحى عندما يقول: «الرأي عندي أنه لا يمكن إنكار أن طريقة ما في الإحساس بشيء ما، توجد متماثلة مع ذاتها، أمام بعض المقاطع من أشعاري وبعض اللقطات من أفلامي»، تتوازى في أعمال بازوليني مرتكزات أساسية، لكل من الماركسية والدين والجنس، يظهر ذلك في أول أعماله الشعرية، عندليب كنيسة الكاثوليك، ما بين عامي 1943 و1949، ثم اكتشاف ماركس عام 1949، وبسبب تأثره بالمنظر اليساري الإيطالي غرامشي الذي مات في السجن عام 1937 كتب بازوليني ما يشبه المرثية، «رماد غرامشي».
إن الخرابات قد غمرت الجهد الساذج والعميق جهد تغيير الحياة، السكون، رطب ودونما جدوى... شابا آنذاك، في ذلك الشهر، أيار، أيام كان ارتكاب الخطأ يفيد أيضاً أننا نحيا، أيار إيطالي كان يضيف، على أي حال، إلى الحياة، الحماسة، لا مبال، بصحة أقل غلظة من آبائنا- لا يعني الأمر إطلاقاً أبا، بل أخا متضعاً- كانت يداك، بعد قد شرعت ترسم المثل الأعلى الذي يهب نوره (إنما ليس لنا: إذ انك ميت، ونحن أموات، معك في هذه الحديقة). في الستينيات والسبعينيات، كانت صرخة الاحتجاج لدى بازوليني، ساطعة أيضاً، وهو منذ شبابه المبكر كان معروفاً بتمرده خصوصاً في مواقفه السياسية ضد الفاشية، كان بازوليني شديد اللمعان، وأيقونة مرحلة من التاريخ الثقافي الإيطالي، وبسبب أعماله السينمائية، الصادمة احتل موقعاً ذا طابع مفصلي في السينما الأوروبية ومن ثم العالمية، كيانه الذي لم يكن يهدأ وأفكاره النقدية والمبتكرة أتاحت له أن يكون في قلب المشهد الثقافي الطليعي آنذاك. أصدر بير باولو بازوليني مجموعة من الأعمال الشعرية، منها: روما 1950 -1960، ديانة زمني 1961، أشعار على شاكلة الوردة 1964، تربية الإنسان وتعضيته 1971، الفتوة الجديدة 1975، إضافة إلى روايات، منها أطفال الحياة 1955، حياة عنيفة 1959.
توابل
زريبة الخنازير
28-12-2011