لماذا لم تجد مصر مرشحها للرئاسة حتى الآن؟
لم يبقَ على موعد الانتخابات الرئاسية المصرية غير شهرين وأيام قلائل، وإلى الآن لم يجد الشعب المصري مرشحاً أو أكثر متفقاً عليه، فالأسماء المطروحة كعمرو موسى ومحمد البرادعي، وغيرهما أسماء مستهلكة، أما عبدالمنعم أبو الفتوح المرشح القوي و(المستتر) لـ»الإخوان المسلمين» فهو في مقدمة المحتملين جداً للنجاح في هذه الانتخابات لأسباب عدة منها، أن هذا الرجل ذو ماض سياسي نظيف جداً، ومن أبرز قيادات «الإخوان المسلمين» التي تسعى إلى التغيير والإصلاح، منذ أن كان طالباً في كلية الطب، وإذا كان «الإخوان» قد فصلوه حقاً من تنظيمهم، واعتبروا ترشيحه شخصياً، وطرحوا اسم محمد سليم العوا بديلاً، له فذلك نتيجة لقوة ضغط التغيير والإصلاح والانفتاح السياسي العقلاني الذي يطالب به أبو الفتوح.والمحتمل الثاني الذي تدعمه جماعة «الإخوان المسلمين» هو محمد سليم العوا، المرشح (المعلن) للإخوان ونائب الشيخ القرضاوي (الأمين العام لـ»هيئة علماء المسلمين») الدولية، ويبدو أن العوا هو الآخر ممن يُحتمل نجاحهم وذلك لأسباب كثيرة منها، أن العوا مفكر إسلامي وفقيه قانوني مصري، ورئيس جمعية مصر للثقافة والحوار، وأحد أبرز رواد الحوار الوطني المصري، وعضو مؤسس بالفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي يتميز فكره بالاعتدال والتركيز على الحوار وليس الصدام بين العالم الإسلامي والغرب. حصل على دكتوراه الفلسفة (في القانون المقارن) من جامعة لندن عام 1972، وله العديد من المقالات في المجلات العلمية والمجلات الدينية والثقافية والصحف السيّارة، وشارك في عشرات المؤتمرات والندوات العلمية القانونية والإسلامية والتربوية في أنحاء العالم المختلفة، شغل منصب وكيل النائب العام المصري. وعيّن محامياً بهيئة قضايا الدولة بمصر، وعمل أستاذاً للقانون والفقه الإسلامي في عدد من الجامعات العربية، وعضو مجمع اللغة العربي بالقاهرة، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي، ونال جوائز علمية ودعوية وخيرية عدة.
ورغم هذا، فالمعركة الانتخابية الرئاسية التي نرى مظاهرها وظواهرها في أوروبا، وأميركا، وإسبانيا، والبرتغال، واليابان، والهند، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، وبعض بلدان أميركا اللاتينية كالبرازيل، والأرجنتين وغيرهما، لم تبدأ بعد في مصر، وذلك للأسباب التالية:1- أن لدى معظم المصريين شعوراً بأن الرئيس المقبل لن يملك بين يديه «مصباح علاء الدين السحري» لكي يستدعي «الجن» لتحويل مصر من الفقر إلى الكفاف، ومن العجز إلى القوة، ومن الفوضى إلى النظام، ومن الكسل إلى العمل، وهناك أولويات كثيرة على كاهل الرئيس الجديد منها: أن الانتخابات الحرة هذا العام، يمكن أن تضع مصر على طريق ديمقراطي جديد، لكن هناك ضرورة لإنهاء الحكومة لحالة الطوارئ والمحاكمات العسكرية للمدنيين، وقال سليل شتي رئيس «هيئة العفو الدولية»: «نحن قلقون من أن هناك استخداماً مكثفاً للمحاكمات العسكرية، ومازالت هناك قوانين للطوارئ، وقوانين تعاقب الصحفيين، وإذا كانت هذه مصر الجديدة، فإننا نحتاج إلى إلغاء هذه الأشياء. إن للحكومة سلطات تكفي لحفظ الأمن دون اللجوء إلى قانون الطوارئ، الذي يُخشى أن يستعمل في المستقبل في تشويه العملية الديمقراطية. والحجة التي ساقتها لنا الحكومة، وهي أن الوقت الراهن هو فترة انتقالية على أي حال، ونحن على أي حال لا نستعمل الطوارئ بأي طريقة، لكن إذا كنت لا تستعملها، فلماذا تحتاج إليها؟». من جهة أخرى يشعر معظم المصريين بأن حكم العسكر الذي استمر منذ 1952 إلى 11/2/2011 قد عاد مرة أخرى بصيغة جديدة، تجلّت في محاكمات عسكرية لعشرة آلاف شخص في الشهور الأربعة الماضية، وثَّقتها «منظمة العفو الدولية»، وقالت: «إن المحاكمات التي لا تتوافر لها العلانية جائرة، وتنتهك القانون الدولي وتتجاوز نظام المحاكم الجنائية في مصر، وأن الجيش لا يمكن أن يكون القاضي، والادعاء، والجلاد، في مصر، بعد الانتفاضة».2- يشعر معظم المصريين وكأنهم في «مولد سيدي رئيس الجمهورية» كما قالت الكاتبة المصرية غادة شريف، في جريدة «المصري اليوم» (21/6/2011). وأن الشارع المصري في واد والاختيار الصحيح لرئيس الجمهورية في واد آخر، وتكتب ساخرة مما يجري في الشارع المصري قائلة:» فإذا سألت أي مواطن عن رأيه فى أي من المرشحين للرئاسة فستسمع إجابات عجيبة: سيقول لك أحدهم إن المرشح الفلاني عنده كاريزما، وسيقول لك آخر إن المرشح العلاني صحيح ماعندوش كاريزما بس عنده ضمير. وستسمع أحدهم يقول إن المرشح الترتاني محترم ووقور. وسيجيبك آخر بأن المرشح ده بقى شكله حلنجي وبيلعب بالبيضة والحجر بس دمه خفيف. وآخر سيعلق بأنه يعجبه مرشح منهم لأنه مهذب، أو أنه سينتخب آخر لأنه متدين وبيعرف ربنا!». ثم تتساءل غادة شريف قائلة: «هو احنا عايزين رئيس جمهورية ولا عايزين عريس؟ وهل ما تسمعه من انطباعات حتى الآن يكفى لمنصب رئيس جمهورية؟». 3- لم يُقدِّم أيٌ من المرشحين المحتمل نجاحهم أو فشلهم حتى الآن، أي خطط مقترحة وواقعية لحل مشاكل الشعب، بالنسبة إلى التعليم، والصحة، والعشوائيات، إلى آخر المشاكل المزمنة، وكان الناخب المصري يحتاج إلى أن يسمع من المرشحين أرقاماً حقيقية، مرفقة بخريطة موارد، وجداول زمنية لتحقيق هذه الأرقام. وتقول الكاتبة غادة شريف بلسان الناخب المصري: «عندما تتأمل في تصريحات مرشحي الرئاسة وسلوكهم أمام الكاميرات ستجد أن كلامهم فضفاض ولامع. وتحركات المرشحين ما هي إلا مغازلات للشباب، فلا تشعر بأنك أمام أشخاص يقدمون ويفندون ما يجعلهم يصلحون لأن يتقلدوا منصب رئيس الجمهورية». 4- لقد عُرف الشعب المصري بأنه شعب عاطفي، تخدعه الشعارات البراقة دائماً، وهو الشعب المصري الذي هتف لجلاديه وحكامه الدكتاتوريين «بالروح بالدم نفديك يا...» وهو أول من قال بهذا الهتاف، وعمَّمه في أنحاء العالم العربي كافة، لذا، سيكون من السهل خداع الناخب المصري في الانتخابات الرئاسية القادمة، رغم انعدام خبرة الأحزاب المصرية في الانتخابات الرئاسية، فلأول مرة في تاريخ مصر تتم مثل هذه الانتخابات، لذا كان مطلب الأحزاب كافة- ما عدا حزب «الإخون المسلمين»- تأجيل هذه الانتخابات إلى سنة أو سنتين، حتى يتم تأهيل الأحزاب سياسياً. وفي هذا الصدد قال الناشط السياسي وعالم الاجتماع سعد الدين إبراهيم، إن «الإخوان المسلمين» هم من سيستفيدون من انتخابات سبتمبر 2011 وستخسر الأحزاب الأخرى.وأنه رغم أنهم لا يمثلون أغلبية الشعب المصري، فإنهم الأقلية الأكثر تنظيماً، وانضباطاً، وثراء. وكلها من آليات ومسببات النجاح في أي انتخابات.ويقول إبراهيم: «إن تنظيم (الإخوان) وانضباطهم الأفضل من غيرهم من القوى الأخرى على الساحة، يرجع إلى أنهم الأقدم، فقد بدأت حركتهم على يد مؤسسها الشيخ حسن البنا، عام ١٩٢٨، أي أن عُمر الحركة هو ثلاثة وثمانون عاماً، ولا يقترب منها عُمراً إلا حزب الوفد، الذي كان قد نشأ في أثناء ثورة ١٩١٩، أي قبل (الإخوان) بحوالي تسعة أعوام».ولذلك يناشد سعد الدين إبراهيم المجلس العسكري الأعلى الإصغاء إلى مطالب الأغلبية العظمى من الشعب المصري التي تدعو إلى تأجيل انتخابات الرئاسة، ويقول: «إن أحد مآثر المجلس الأعلى أنه، لا يُصر على قرار اتخذه من قبل، إذا أيقن أنه لا يلقى قبول الأغلبية، وحسناً يفعل هذا المجلس في التواصل مع أبناء الوطن من خلال صفحته على الشبكة الدولية، ومن خلال استقصاءات الرأي العام، لذلك فإن فُرص الاستجابة لمطلب تأجيل الانتخابات لابد أن تلقى استجابة كلية أو جزئية». ولعل هذا أحد الأسباب التي أدت إلى أن مصر حتى الآن، لم تجد مرشحها القوي لانتخابات الرئاسة. * كاتب أردني