لا يمكن وصف الوثيقة التي اجتهد لوضعها النائب محمد المطير بشأن تدقيق حسابات النواب الشخصية، ويسعى إلى توقيع زملائه عليها لمواجهة فضيحة الإيداعات المليونية سوى بالبدعة، التي قد تؤدي إلى تنفيس وإجهاض كل الجهود التي تبذل لوضع تشريعات متكاملة وإلزامية لمراقبة نزاهة ونظافة يد قيادات السلطة التنفيذية وكل أعضاء السلطة التشريعية المنتخبين، وهو الإجراء الذي أصبح استحقاقاً بعد توالي الفضائح المالية التي تنال من العاملين في الشأن السياسي ومن يديرون أجهزة الدولة.

Ad

وثيقة المطير النيابية هي تكرار لما فعله نواب «حدس» في مجلس الأمة 2008 عندما قدموا ما قالوا عنه في حينه كشف ذمة لهم إلى رئيس مجلس الأمة دون أي إجراء إضافي للتأكد منه أو متابعته، بينما رفضوا أن يتبنوا قانون كشف الذمة المالية مما دفع بعض المراقبين إلى وصف فعل «الحدسيون» بأنه لا يتعدى كونه فعلاً ترويجياً ودعاية سياسية وانتخابية لا غير، وذلك لأنه لا يوجد أي تفويض قانوني لأي جهة لمتابعة كشوف الذمة المالية تلك وتدقيقها ومراجعتها، ومساءلة النائب في حالة تجاوزه للنزاهة في مزاولة أعماله واستخدام نفوذه في تحقيق مصالح شخصية له أو للمقربين منه.

ومع التأكيد على سلامة نوايا النائب المطير، فإن وثيقته التي وقعها بعض النواب لا تتضمن أية ضمانات لمتابعة حسابات النواب بل إنها تفوض الجهاز القضائي بالكشف عليها لمرة واحدة، ولا يمكن أن تتحقق من أية منافع أخرى قد يتحصل عليها النائب مثل العقارات والأسهم والسندات والأدوات المالية الأخرى الكثيرة المتوفرة في الوقت الحالي، وهو ما يجعل هذه الوثيقة تحمل اختلالات جمة، وتمثل ردة فعل لتعامل وقتي مع الغضب الشعبي بسبب فضيحة الإيداعات المليونية، بما يعطل الجهد الأكبر الذي يجب أن ينصب على إقرار حزمة قوانين كشف الذمة المالية ومحاربة الفساد التي يحاول البعض البحث عن مخرج للتملص منها وإجهاضها مرة أخرى كما جرى عدة مرات منذ مجلس الأمة 1992.

لذلك فإن المسؤولية تجاه الفضيحة التي نالت من ثقة الكويتيين في سياسييهم ومؤسساتهم الدستورية، أصبحت أكبر من الاجتهادات الفردية وتضع مسؤولية تاريخية على عاتق كل نواب الأمة والشخصيات التي تتولى المناصب العامة تتمثل في إعادة بناء الثقة المفقودة من خلال حزمة تشريعات الذمة المالية التي يجب أن يعلن كل النواب التزامهم بإقرارها في مطلع دور الانعقاد البرلماني المقبل دون تسويف أو تلكؤ، وعليه يجب أن تتحول وثيقة المطير الى طلب يلتزم كل نائب يوقع عليها بإقرار تلك القوانين، وليس تفويضاً مؤقتاً بلا أي ضمانات قانونية تضبط نزاهة أعضاء السلطة التشريعية وملاحقة الفاسدين منهم  في الحكومة والمجلس.