كان يجب أن يذهب الفلسطينيون إلى مجلس الأمن وبالطبع إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة رغم كل الصعوبات التي تنتظرهم هناك والتي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، وكأن القضية قضيتها وليست قضية إسرائيل، فهذه معركة سياسية لابد من خوضها في ظل انغلاق الأفق التفاوضي وعدم التوصل إلى أي إنجاز حقيقي منذ توقيع اتفاقيات أوسلو في عام 1993 وعلى مدى السنوات اللاحقة حتى الآن، وربما إلى قرن جديد بأكمله إذا بقيت الأمور تسير على هذا النحو وبهذه الطريقة.

Ad

في مؤتمر مدريد الشهير الذي ذهب إليه اسحق شامير تحت ضغط جورج بوش (الأب)، أطال الله عمره! قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الذي لو أن هناك عدالة دولية فعلية لكان سبق مجرمي صربيا إلى محكمة لاهاي وقضى سنوات طويلة وراء القضبان كإرهابي ومجرم حرب، إنه سيجعل الفلسطينيين يفاوضون عشرين عاماً ولكن بدون أي نتيجة، وحقيقة فإن هذه المفاوضات التي غدت عدمية وملهاة ومضحكة قد استمرت كل هذه الفترة الطويلة بدون أي تقدم بل وكلما ساد إحساس بإمكانية تحقيق إنجازٍ صغير عاد الإسرائيليون بالأمور إلى نقطة الصفر وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن لم يكن هناك لا مؤتمر مدريد ولا اتفاقيات أوسلو ولا كل تلك المحادثات الماراثونية التي جرت في «وادي ريفر» وفي أمكنة أخرى كثيرة.

كان هذا الرئيس الأميركي باراك أوباما عندما قال اسحق شامير هذا الكلام الذي قاله في عام 1992 لا يحلم إطلاقاً أن يدخل البيت الأبيض حتى كزائر فضولي يسعى إلى مشاهدة المكتب البيضاوي من الداخل، ولهذا فإن عليه الآن قبل أن يقول للفلسطينيين إن الحلول المنشودة مكانها قاعات المفاوضات لا مجلس الأمن أو منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة أن يعرف أن التفاوض مع الإسرائيليين قد استمر نحو عشرين عاماً لكن بلا أي نتيجة ولا أي تقدم، في حين لم تتوقف عمليات الاستيطان لحظة واحدة، وبقي الشعب الفلسطيني يعيش ظروفاً أبشع من الظروف التي عاشتها الشعوب التي احتل النازيون والفاشيون أوطانها عشية الحرب العالمية الثانية وبعد ذلك.

والمفترض أن أوباما، الذي سمعنا كلامه في مدرج جامعة القاهرة فحلمنا بعصر أميركي جديد في الشرق الأوسط عنوانه العدالة وحقوق الشعوب المظلومة وإنهاء آخر احتلال في العالم بأسره، يعرف أنه من الأفضل أن يرسل إلى الفلسطينيين لمفاوضتهم أفيغدور ليبرمان لا دينيس روس، فالمثل يقول: «لا تجرب مجرب»، ولقد جرب ياسر عرفات وبعده محمود عباس (أبومازن) هذا الأفعوان الأميركي الذي ثبت أن ولاءه لإسرائيل يتفوق على ولائه لأميركا بآلاف المرات.

لم يرفض الفلسطينيون المفاوضات بل هم يريدونها وبقوا يريدونها لكنهم اكتشفوا مبكراً أن كل هذا الذي جرى على مدى نحو عقدين من الزمن هو استنزاف للوقت وترجمة لما قاله اسحق شامير في مؤتمر مدريد، وبالتالي فإنه لابد من الذهاب إلى المجتمع الدولي ووضعه أمام مسؤولياته، حتى وإن لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام حق النقض الـ(فيتو) وحتى وإن بقيت تنحاز إلى إسرائيل على حساب مصالحها ومصالح شعبها.

لا يوجد أي بصيص أمل بإمكانية أن تغير هذه الحكومة الإسرائيلية مواقفها، ولهذا فإن العودة إلى مفاوضات المراوحة في المكان ذاته يجب أن تكون مرفوضة من العرب قبل الفلسطينيين، وذلك لأن ذهاب «أبومازن» إلى الأمم المتحدة قد جاء بقرار عربي، ويبقى أنه إذا كان لابد من تسوية للوضع قبل وصول الطلب الفلسطيني إلى مجلس الأمن فلابد أيضاً من ضمانة أميركية ودولية باعتبار أن حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 هي مرجعية المفاوضات في حال استئنافها، على أن يكون كل هذا مرفقاً بجدول زمني محدد تجنباً لتبعات وصية اسحق شامير الآنفة الذكر.