بدا المشهد بين مخلوف ووسوف حميماً للغاية وقد التُقط في أحد الأعراس بينما كان علي الديك يغني، ثم عُقدت حلقة دبكة ضمّت الإثنين وعاصي الحلاني، علماً أن كل من يعرف وسوف عن قرب يدرك مدى اعتزازه بنفسه كونه سلطان الطرب، لكن يبدو أن الطرب يخرّ ساجداً أمام سلطان المال والسياسة. صحيح أن مخلوف ظهر وهو يمدّ يده للإمساك بيد وسوف لمساعدته على الوقوف، لكن كان من الأجدر به أن يمنعه أساساً من الركوع.

Ad

علاقة مع آل الأسد

كنا نعتقد بأن جورج وسوف يستمدّ قوّته من شعبيّته الجارفة ومن الجمهور المعجب به إلى حدّ الهوس، لكن يبدو أن قوته الحقيقية تأتي من علاقته بآل الأسد وبمخلوف، بالإضافة إلى أنه مثال صارخ لتأييد النظام السوري، فقد غنى منذ أكثر من أسبوعين في ساحة دمشق، لمناسبة ذكرى خطاب القسم، في إشارة إلى ذكرى تسلّم بشار الأسد مقاليد السلطة في وقت كان الشعب السوري يُذبح في المحافظات.

طوال فترة الهيمنة السورية على لبنان كان وسوف (استقرّ في لبنان منذ أكثر من 30 سنة) يتمتع بنفوذ كبير طاول الدوائر الرسمية اللبنانية عموماً والأمنية خصوصاً. فمن منا لا يذكر الفضيحة التي هزّت المجتمع اللبناني منذ سنوات وزُجّ بأفرادها، وهم من أهل السياسة والفن والمال والأعمال، في ليلة ليلاء في مخفر حبيش ليخرجوا بعد حين مثل «الشعرة من العجين» بسبب الضغط الذي مورس من جهات أمنية عليا.

من منا لا يذكر كيف أوقف الوسوف في السويد بتهمة تعاطي المخدرات وأُرسل السفير السوري خصيصاً إلى السجن الذي حُبس فيه لإنقاذه من هذا المأزق.

في المناسبة لا بد من أن نعرّج على الفنانة المناضلة رغدة، التي طالما ساندت الشعوب الثائرة والمحتلّة والمعتدى عليها، وإذا بها تقف اليوم على إحدى منصات مدينة حلب في مهرجان مساندةً للرئيس بشار الأسد، وتصفه بأنه رمز للعز والفخر، وكلنا نذكر الاتهامات التي وُجهت إليها سابقاً بأنها استفادت من كوبونات النفط التي كان يقدّمها النظام العراقي السابق لدرجة خوّلتها العيش في بحبوحة وغير خاضعة لقانون العرض والطلب الفني، في ظلّ انحسار الأضواء عنها.

المطرب المذبوح

مثال آخر لا يقلّ قوة ولكن يبدو شديد الوقع، هو المطرب ابراهيم قاشوش، مغني الثورة كما لُقّب، الذي اختُطف عندما كان متوجهاً إلى عمله وذُبح من الوريد إلى الوريد واقتُلعت حنجرته بعدما أطلق أغنية «إرحل يا بشار» وكتب معظم الشعارات التي كان يردّدها أهالي حماه في تظاهراتهم الليلية.

من يرى صور قاشوش الهمجيّة والوحشيّة يظنّ أن من ذبحه ونزع حنجرته هو العدو الإسرائيلي، فيما في الحقيقة أن من فعل ذلك هم مؤيدون للنظام السوري، أرادوا، من وراء فعلتهم هذه، توجيه رسالة بأن الحناجر غير الموالية للنظام سيتم إسكاتها، مهما كان الثمن، حتى لو اقتضى الأمر اقتلاعها.

في مقارنة بين وسوف الراكع على رجليه إكراماً للنظام وقاشوش المذبوح لأنه عارض النظام، يظهر أن ثمة ارتباطاً عضوياً بين الفن والسياسة أو بالأحرى بين الفن والنظام الحاكم في أي بلد، فإذا كان النظام استبدادياً يكون مصير كلّ من يحاول الغناء ضده كمصير قاشوش، وإذا كان ديمقراطياً يكون المغني كالطائر المحلّق في سماء لا حدود لها. أما إذا كان أحد مبخّري النظام فعندها يكون محمياً أمنياً وإعلامياً وحتى جنائياً.

بين سورية ومصر

صحيح أن قوائم العار وقوائم الشرف التي قسّمت الفنانين في سورية، سبقتها قوائم مماثلة في مصر، لكن ثمة فرق كبير بين البلدين، ففيما طاولت يد النظام في سورية الممثلين والكتّاب والمخرجين والفنانين التشكيليين وألقت بهم في السجن، بقي الفنانون في مصر أحراراً يعبّرون عن مواقفهم بمنتهى الجرأة من دون أن يتعرّض لهم أحد خلال الثورة وبعدها.

طالما تغنّى السياسيون بعلاقتهم بالفنانين وطالما كان مدعاة فخر لهم أن يكون أصدقاؤهم من الفنانين وحتى أنسباؤهم مثل الفنان أشرف عبد الباقي زوج ابنة حسب الله الكفراوي وزير الإسكان المصري الأسبق، النجم كريم عبد العزيز المتزوّج من إحدى كريمات هاني سرور، من قيادات الحزب الحاكم المنحلّ في مصر وكان له نفوذ سياسي بالإضافة إلى ثروته الطائلة، عدا عن العلاقات والزيجات السرية بين ممثلات ورجال لهم نفوذ وسلطة ومال، ولكن هل يندم الفنانون غداً على هذا النوع من العلاقات؟