اللحظة الفاصلة!
عندما تخلع الأيام ثيابها الصيفية لترتدي ثيابها الشتوية، هناك لحظة عُري فاصلة بين اللحظتين،في لحظة العري هذي شيء ما ينتابني دائماً،
أشعر بتوتر غامض، تصبح أعصابي مشدودة كأوتار كمنجةتختلط مشاعري فجأة بشكل معقّدأنصت للصمت، ولا أسمع الكلام!أصاب بالعمى في النور، وأبصر في الظلمة!أفقد حواسي في مكان، بينما هي في موضع آخرأتخيّل أغنية ما في الوقت الذي أستمع فيه إلى أغنية أخرىأصاب بعمى الأصوات، فأسمع صوتاً غير الصوت الذي يخاطبني حينهاأسير كالمنوّم مغناطيسياً، بينما أحس بأنني ريشة فقدت الجاذبية سيطرتها عليهاأفقد قدرتي على الدهشة،كأنما الطبيعة تجري اختباراتها الموسمية على حواسي،وهي عادة ما تفعل ذلك في مثل هذا الوقت من العام، عندما تتعرى الأيام لترتدي ثياب الشتاء...تقوم بنفض ما تبقى من غبار الصيف عن روحيوغسل جسد مشاعريوفتح شبابيك قلبي للهواء على مصراعيها معظم الوقت، وتخلع عن وجهها الستائرشيء يشبه البلادة ينتابني مع وعيي الشديد بكل ما حولي،أشعر بتشقق في روحي يشبه ملامح أرض ماتت من اليباس، بينما روحي طرية جداًأدرك حينها أن روحي لا تتشقق، وإنما تهيؤها الطبيعة للحظة القادمةتقوم الطبيعة بحرثيتقلّب الطبيعة طيني في لحظة العري الفاصلة هذه كما يفعل الفلاح قبل البذرتجهّز قلبي لسكنى العصافير والحمام والمزن المهاجرةتقوم بنزع الأوراق اليابسة عن شجرة أحاسيسيوتقتلع الأعشاب الصفراء من نبضي تعيد صياغتي،تقيس حرارة أصابعي،وحرارة حبري،وقدرة أوراقي على البياض!تتأكد الطبيعة من أن جميع أوديتي جاهزة لسريان الماء بين أحضانها، وأن لا حجر يقف عثرة في الطريق،تقوم بضبط أوتاري "ودوزنتها" لتصبح صالحة للغناء على مقام موسيقي آخرذلك المقام يُعرف في موسيقى الفصول بمقام الشتاء،وهو مقام يتطلب الغناء فيه روحاً دفيئةًوحنجرةً لا يُغرقها المطرووشاحاً يجيد الهمس قرب مسمعيكأغاني هذا المقام، شجيّة جداً، وحميمية جداً، وموجعة ربما جداًوتشعل حطب الضلوع دون أن تستخدم ناراً!تسيّل الأحلام مطراً أخضر يمرّ بالأحداق لا ليستقر، ولكن ليترك زهرة نديّة ويرحلأغاني هذا المقام نداء احتياج يهيم في السماء، يصب مباشرة في القلوبالشتاء أغنية العشاق المفضلة،يستعذبون فيه البكاء تحت المطر، فيبكون كيفما يشاؤون دون أن تُفضح قلوبهم،يستعذبون مواقد النار التي تضج باللهب لعلها تدفئ أطراف آمالهم،تتلمس أياديهم الدفء تحت الشالات الصوفية، لعلهم يجدون بعض آهاتهم التي أهملها أحبتهم في غفلة وفاء،الشتاء يحيي جمر الاحتياج،ويضيء مشاعل الحنين،ويزرع شجرة الصبر على حافة الهاوية،الشتاء منحنى الفصول الخطر، ويتطلّب استعداداً استثنائياًوها هي الطبيعة قد جهزتني الآن له، وعمّدتني بالبركات،دعواتي لكل العشاق بالعبور منه... بسلام حب.