عندما يتعامل الشعب مع القيصر بالسخرية والاستهزاء بدلاً من الهيبة والإجلال، فقد حان الوقت لكي يفكّر في التقاعد، أو ربما كان عليه أن يستعد لانقلاب على القصر، والآن يتعين على رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، الذي يعتزم إخراج عودته المجيدة إلى الكرملين كرئيس في الانتخابات المقررة في مارس العام المقبل، أن يفكر في هذا الخيار.

Ad

بدأ هذا العام بعريضة قوية "المعايير الروسية" على شبكة الإنترنت تحث بوتين على اتخاذ الخيار الأول، ثم ضحك الشعب الروسي كله عندما استعرض بوتين أثناء زيارته الاعتيادية لمخيم صيفي وطني تديره حركة ناشي "حركة شبابية مناصرة لبوتين" مهارته البدنية بتسلق جدار صخري، إلا أنه لم يتمكن من النزول.

والآن يتساءل الروس ماذا حدث لوجه زعيمهم، فقد أثار المظهر الجديد لوجهه السلس الناعم الشائعات عن حقن "البوتوكس"، بل حتى جراحات التجميل، وانتشرت نكات مصاصي الدماء.

وأخيراً، أثناء رحلة غوص في مياه كراسنودار بجنوب روسيا، انتشل بوتين بما يشبه المعجزة اثنتين من الجِرار الإغريقية القديمة، ثم تحولت ضحكات الروس إلى وجوم عندما صرح ديمتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم بوتين بشكل غير مفهوم ولا تفسير له بأن هاتين الجرتين وضعتا هناك لإعطاء بوتين شعوراً بالأهمية.

إذا لم أكن أتعامل مع عجز الدولة الروسية ظاهريا، فقد يتسرب الشك إلى نفسي في وجود مؤامرة لتشويه سمعة بوتين، فمن المؤكد أن سمعته لم تسلم من الأذى.

بعد مباراة في فنون القتال جرت أخيراً بين أميركي وروسي، صعد بوتين، وهو من المتحمسين لرياضة الجودو، إلى الحلبة لتهنئة الفائز الروسي، وهو عضو في حزب بوتين "روسيا المتحدة"، ولكن الجمهور صرخ بجنون: "عد إلى بيتك يا بوتين!"، إلى أن غادر المكان بالفعل، وكأن الجمهور كان يريد أن يقول إن السياسة لابد أن تخرج من الرياضة، وأن بوتين لابد أن يخرج من السياسة.

يبدو أن بوتين يتصور أن ألعابه البهلوانية هذه أساسية للحكم، فقد قَبَّل الدلافين والأطفال، وأنقذ النمور والصحافيين، وامتطى صهوة جواد وهو عاري الصدر أمام المصورين، وسار على قدميه في براري سيبريا، ولكنه الممثل الذي لا يستطيع أن يتحمل النقد، ففي أعقاب ما لحق به من حرج بسبب واقعة الجودو، قرر بوتين إلغاء كل مناسبات ظهوره العلنية المرتجلة.

ومنذ تلك الواقعة لم يحضر بوتين سوى حدث واحد: مؤتمر حزب روسيا المتحدة، حيث صوّت 600 مندوب بالإجماع لمصلحة تسميته كمرشح رئاسي عن الحزب في انتخابات 2012، ولكن الانتخابات البرلمانية التي عقدت في الرابع من ديسمبر، والتي حصل حزب روسيا المتحدة بموجبها على 50% من الأصوات بصعوبة (تعوّد بوتين على ضمان نحو 70% من الأصوات)، تطلبت قدراً هائلاً من السيطرة الشرسة، في ظل وجود مكثف من قوات الشرطة. ولقد تعرض المراقبون للمضايقات والعراقيل، كما أغلقت مواقع مراقبة الانتخابات على شبكة الإنترنت أو اختُرِقَت من قِبَل الحكومة، كما صرحت بعثة مراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بأن "أغلب الأحزاب أعربت عن عدم ثقتها في نزاهة العملية الانتخابية".

كان إسراف بوتين في الغرور سبباً في تقويض صورة الرجل القوي الذي أنفق الأعوام الاثني عشر الماضية في بنائها، وعلى أي حال فإن التمثيليات الدعائية النرجسية وعمليات شد الوجه- التي استفاد منها صديقه سيلفيو بيرلسكوني في إيطاليا (إلى أن لم تعد مجدية)- لا تبعث على الخوف أو حتى الاحترام بين الروس، الذين فضلوا دوماً الحاكم الذي يحكم بقبضة من حديد، لذا فقد خسر بوتين الآن صورة رجل السياسة القوي إلى الأبد، ومن الصعب أن يتخذ المرء سمت الاستبداد عندما يعجز حتى عن تحريك حاجبيه.

إن الروس لا يسخرون من بوتين لأنه حوَّل روسيا إلى جمهورية موز صناعية، حيث تعمل صادرات النفط وغير ذلك من السلع الأساسية على دعم دولة شبه سلطوية، ولكن لأنه لم يعد يلعب دوره بشكل مقنع، وعلى الرغم من ذلك فإن مصدر السخط على بوتين ليس هو المهم؛ فلابد أن تبدأ الرغبة في الحرية من مكان ما.

وما دام الروس يشعرون بأنهم قادرون على مواجهة النظام، حتى ولو بالاحتقار والضحك، فإن الأمل في التغيير يظل قائماً، وعندما يخسر القيصر صورة السلطة المطلقة، فإنه يعجز في النهاية عن إحكام قبضته على السلطة.

بعد تمثيلية بوتين المأساوية التي طال أمدها، أصبحت الخيارات المتاحة أمام الكرملين لعرض جزء ثان من التمثيلية محدودة. فالجميع يتوقعون أن يتبادل الرئيس الحالي ديمتري ميدفيديف (الدمية) الأدوار مع بوتين بعد انتخابات مارس، ولكن في الكواليس ينتظر وزير المالية السابق أليكسي كودرين، الذي قد يحل محل ميدفيديف إذا احتاجت روسيا إلى خادم مخلص في إدارة تمثيلية الإصلاح الاقتصادي، والواقع أن السمعة التي يتمتع بها كودرين كرجل كفؤ يتسم بالهدوء والرزانة قد تمكن بوتين من شراء بعض الوقت.

ولكن هذا السيناريو مستبعد في نظر بوتين، فهذا الرئيس السابق، والمنتظر في المستقبل، يزعم أنه جعل روسيا دولة أقوى بالفعل، وأن البلاد أصبحت واحة من الاستقرار يحسدها الجميع، في حين يُحكِم عدم اليقين المالي قبضته على القسم الأعظم من العالم المتقدم في عام 2012، ربما، ولكن من الصعب أن تكون زعيماً بطلاً وموضعاً للنكات الشعبية في نفس الوقت.

كثيراً ما يُشبَّه بوتين بجوزيف ستالين، ولكن في الوقت الحاضر، ومع اقتراب الذكرى السنوية العشرين لانهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، فإنه يبدو على نحو متزايد أشبه بليونيد بريجينيف رمز النظام السياسي الذي تجاوز تاريخ صلاحيته.

* نينا خروتشيفا | Nina Khrushcheva

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"