يا أدونيس: لا حياة لمن تنادي!
- 1 -لم يكن مستغرباً من الشاعر السوري الكبير علي أحمد سعيد إسبر (أدونيس) المشاركة في الهم السوري الحالي، فقد سبق له أن شارك في مهرجان قيام الثورة الخمينية عام 1979، وكتب فيها قصيدته المشهورة "تحية لثورة إيران" التي قال فيها:
أفقٌ ثورةٌ والطغاة شتاتكيف أروي لإيران حبّيوالذي في زفيري والذي في شهيقي تعجزعن قوله الكلمات؟سأغنّي لقمّ لكي تتحول في صبواتينار عصف، تطوّف حول الخليجشعب إيران يكتب للشرق فاتحة الممكناتشعب إيران يكتب للغرب:وجهك يا غرب ينهاروجهك يا غرب مات- 2 -ولكن بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على قيام الثورة الخمينية، تبيّن عدم صدق قول أدونيس في هذه الثورة، وأن هذه الثورة، ثورة رجعية في حقيقتها، ولم تجنِ منها إيران غير العزلة الدولية، والسمعة السياسية الدولية السيئة، وازدياد الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، وتزايد عدد الشباب الإيراني المعارض لهذه الثورة، وغياب الحرية والديمقراطية التي كان ينشدها الشعب الإيراني من وراء هذه الثورة. ويقول المفكر السوري المقيم في باريس جورج طرابيشي: "إنه لا ديمقراطية في إيران، وإن السُنَّة يشكلون نحو 20% من سكان إيران، ومع ذلك ليس لهم في البرلمان سوى نحو 10 نواب من أصل 600، ذلك لأن الديمقراطية المزعومة في إيران مفصومة عن العَلْمانية".ويقول المفكر اللبناني رضوان السيد: "لا شك في أن الثورة الإسلامية في إيران هي ثورة أصولية استحوذت- بسبب راديكاليتها وشعوبيتها وانشقاقها عن الإسلام التقليدي أو العادي- على أفئدة يساريين وقوميين ثوريين، يغويهم الخروج على الاجتماع السياسي التقليدي أو العادي".- 3 -واليوم يقوم أدونيس بنشر رسالة موجهة إلى بشار الأسد، فيها من النصح والتحذير والخوف على الرئاسة، أكثر مما فيها من الخوف على الوطن الشيء الكثير، وهو الذي قاله أدونيس في الثورة الخمينية قبل ثلاثين عاماً، وهذه الرسالة عبارة كما قال سلمان مصالحة:"أقلّ ما يقال عنه إنّه كلام استجداء للطاغية، طاغية الشام في هذا الأوان. لا يستطيع القارئ أن يعثر في رسالة أدونيس الاستجدائيّة هذه على أية صيغة تشفع له أمام هول ما يجري في الشّام. كما ليس في رسالته أيّ موقف أخلاقي ممّا تعرضه الشاشات، وما يتسرّب إلى اليوتيوب من صور المجازر التي يرتكبها النّظام البعثي الفاشي".ويضيف:"ليشاهد أدونيس في هذا الأوان صور التمثيل بأجساد الأطفال السوريّين. ليشاهد أدونيس صور جنود البعث يرقصون فوق أجساد المواطنين، فربّما يكون لديه ما يقول في هذه المشاهد التي هي خير دليل على طبيعة هذا النّظام". ويقول الشاعر اللبناني عباس بيضون:"كان ينبغي أن تكون لأدونيس كلمة... إنه أكبر مثقف سوري حي، وعليه واجب الشهادة على الأقل، فيما بلاده تغرق وتتداعى. لكن شهادة أدونيس، ولنسمها وساطته، تأخرت كثيراً عن الأحداث حتى باتت متخلفة عنها".- 4 -وأدونيس لم يعلم أن من يناديه "الرئيس السوري" لا حياة له، فلا حياة لمن تنادي يا أدونيس، للأسباب كثيرة منها:1- يقول أدونيس مخاطباً الرئيس بشار الأسد: "يبدأ التأسيس للديموقراطية، إذاً، بالفصل الكامل بين ما هو ديني، من جهة، وما هو سياسيّ واجتماعيّ وثقافيّ، من جهة ثانية. وهذا ما لم يفعله حزب البعث العربي الاشتراكيّ، كما كان منتَظَراً، وهو الذي قاد البلاد، منذ حوالي نصف قرن. على العكس، لبس البعث الثوب القديم: هيمن على حلبة اللعب القديم، وساس وقاد بالعقلية القديمة، متبنياً سياقها الثقافيّ -الاجتماعيّ". فهل الرئيس بشار لا يفهم هذا الكلام؟ وهل ينتظر من أدونيس أن يُفَهِّمَهُ إياه. إنه يَفْهمه، ولكنه عاجز عن العمل به، لاحتكامه لحزب البعث الفاشي، ولطبقة من المستغلين الفاسدين، من أخواله "آل مخلوف" الذين أطلق عليهم بيار صادق "الصعاليك الجُدد" وأطلق عليهم المفكر السوري عبدالرزاق عيد: "الأراذل".2- يقول أدونيس مخاطباً الرئيس السوري:"لا هيمنة في الأخير إلا للحرية، ولا أمن في الأخير إلا بالحريّة، وتلك هي المفارقة اليوم: حزبٌ حكَمَ، باسم التقدم، يجد نفسه اليوم، أنه متَّهَم ومسؤول تماماً كمثل الجماعات التي تعارضه، عن الانهيار الآخذ في التحقّق، انهيار سورية وتشويه صورتها الحضارية". لقد سمع الرئيس السوري مثل هذا النداء من المعارضة السورية في "ربيع دمشق" (17/7/2000) الذي أحرقة الرئيس نفسه، بعد وصوله إلى الحكم مباشرة، وزجَّ بعناصره في سجون سورية، وتكراره اليوم لا يفيد، حيث "ما لجرح بميت إيلامُ".3- يقول أدونيس:"وقد تبنّى الحزب هذا كله، كما تؤكّده الممارسة، من أجل غاية واحدة: البقاء في السلطة، والحفاظ عليها. كانت السلطة بذاتها تهمّه أكثر مما يهمه تحويل المجتمع وبناؤه في اتجاه التغيّر نحو حياة جديدة، ومجتمع جديد، وثقافة جديدة، وإنسان جديد. هكذا تحوّلت سلطاته بالممارسة إلى سلطات رجعية، لا تحتاج إلى ثورة لإسقاطها، وإنما تحمل في ذاتها بذرة سقوطها. وفي ذلك حكمٌ مبرمٌ، موضوعيّاً، على حزب البعث بوصفه سلطة. لقد فشل كلّيّاً في تفكيك البنية القديمة ودفع المجتمع في اتّجاه التقدّم. وفي هذا دليلٌ عمليّ على أنّ المادة الثامنة من الدستور، يجب أن تُلغى أولاً وقبل كل شيء، ذلك أنها الرمز المباشر للطغيان وللاستهتار بالإنسان والعقل والحرية". فأين الجديد في ذلك، ومن كان يظن أن حزب البعث يفعل كل ذلك من أجل سورية الوطن والشعب وليس من أجل بقائه في الحكم أطول مدة ممكنة. وكان على أدونيس أن يسوق الحجة تلو الحجة لبشار الأسد، ليريه فقط، أنه الدكتاتور الحقيقي في سورية، ويكتفي بذلك، ويكف عن باقي الحديث.* كاتب أردني