مهددات الأمن الخليجي

نشر في 30-01-2012
آخر تحديث 30-01-2012 | 00:01
No Image Caption
 د. عبدالحميد الأنصاري أمن الخليج هو القضية التي تداعى إليها نفر من المسؤولين والمثقفين الخليجيين، انتظم شملهم في مؤتمر دعا إليه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية بعنوان "الأمن الوطني والإقليمي لدول مجلس التعاون... رؤية من الداخل" في 17-18 يناير، بفندق سوفتيل الزلاق، مملكة البحرين، لماذا البحرين؟

أمن الخليج واحد والبحرين واسطة العقد الثمينة، وعندما تعرض أمنها لخطب فزع الخليجيون جميعاً إليها، لماذا هذا المؤتمر؟ الخليج اليوم هو الواحة الآمنة المطمئنة وما حولها عواصف هوجاء وأوضاع مضطربة، على امتداد الساحة العربية مد سياسي حمل إلى السلطة قوى إيديولوجية تحمل رؤى مغايرة للخليج، وعلى الساحة الدولية أزمة اقتصادية متفاقمة، وفي الشمال شقيقنا العراقي أصبح خانعاً للنفوذ الإيراني، وعلى الضفة الأخرى جارتنا المسلمة كلما ضاق الخناق الدولي عليها بسبب عنترياتها صعدت ضدنا، وحتى حليفنا التاريخي الاستراتيجي بدأ يتراجع ويلملم قواته وثقة الخليجيين به بدأت تهتز.

أما على المستوى الوطني فهناك تحديات واستحقاقات كبرى تتطلب معالجات راشدة تحصن البيت الخليجي وتقوي نسيجه الاجتماعي وترفع مناعته لمواجهة التدخلات التي تؤجج الطائفية وتستغلها لأطماعها في المنطقة، "ما حك جلدك مثل ظفرك"، وقد آن للخليجيين أن يتكلوا بعد الله تعالى على أنفسهم في تعزيز أمنهم، فذلك مسؤوليتهم وهذا يتطلب تحصيناً لأمن الداخل عبر إصلاح شامل وتحصين للأمن المشترك عبر اتحاد خليجي فاعل.

في كلمته الافتتاحية المهمة، ركز سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفه نائب رئيس مجلس الوزراء البحريني على ضرورة أن يكون المفهوم الاستراتيجي للأمن الخليجي نابعاً من الداخل، ومنسجماً مع الاحتياجات الوطنية والإقليمية، مؤكداً أن الأمن الوطني لأي دولة خليجية هو مرتكز أساسي للأمن الإقليمي لدول المجلس.

وبدوره عزز مستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات، هذه المضامين وأشار إلى أن المتغيرات التي تمر بها المنطقة، تؤكد أن الأمن الوطني لم يعد شأناً داخلياً بحتاً لأن مهددات الأمن الوطني أصبحت عابرة للحدود مثل التنظيمات المتطرفة وإيديولوجيات التعصب التي تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي لدول المجلس، وهي تتطلب مواجهتها برؤية سياسية واستراتيجية شاملة تعالج متطلبات الإصلاح وتصون مجتمعاتنا من مخاطر التدخل الخارجي.

وخلص عبدالغفار إلى أن دول المجلس بحاجة اليوم إلى بلورة "مفهوم استراتيجي" جديد وشامل كما تفعل دول حلف الأطلسي كل 10 سنوات، ومن ثم تطوير سياسات حقيقية للدفاع المشترك تملك القدرة على الردع، وفي إطار مظلة استراتيجية مستقلة وواسعة، وكانت لكلمة سمو الأمير تركي الفيصل البليغة والجامعة، سحرها القوي عندما أكد أن أمن الخليج مسؤولية أبنائه أولاً وأخيراً، عرباً وعجماً، وأن خيار التعاون هو السياسة الثابتة والمستمرة للمجلس منذ تأسيسه، لكن شريكنا المسلم على الضفة الأخرى، اختار سياسة أخرى عرضت الأمن الإقليمي للمخاطر، وجلبت التدخلات الأجنبية التي يريد التخلص منها بحسب ادعاءاته، وأججت المواجهات العسكرية التي يدعي أنه لا يرغب فيها.

وقال مستطرداً: لا أحد منا في المجلس يضمر شراً لإيران ولا أحد منا يريد لها أن تقع في شرك يقودها ويقود المنطقة إلى حرب، وخاطب سموه إيران ناصحاً ومشفقاً: إن تملك النووي ليس ضمانة للأمن، بل مدعاة للتدخل الأجنبي والدخول في سباق التسلح، كما أكد أننا لسنا طرفاً في النزاع الإيراني مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي لكن على إيران أن تتفهم أننا ملتزمون بقرارات الشرعية الدولية، فعليها الكف عن تهديداتها، ولم يغفل سموه متطلبات تحصين الجبهة الداخلية، فطالب بمزيد من الإصلاح السياسي والاقتصادي عبر ترسيخ مفهوم المواطنة، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية.

وحانت كلمة الفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي، مفاجأة المؤتمر، إذ أمتع الحضور بعرضه الرائع، صعد المنبر وحمد الله وحيا الحضور قائلاً: اسمحوا لي ألا أكون دبلوماسياً فأنا رجل أمن وسأتحدث عن محددات الأمن الداخلية والخارجية، وقد يكون كلامي محرجاً لبعض من في الداخل والخارج، ولكني ما أتيت إلا لأقول ما أستشعره كرجل أمن.

عرض الفريق 38 مهدداً للأمن الخليجي بشقيه الوطني والإقليمي، (8) منها مهددات خارجية:

1- السياسة الأميركية في المنطقة، يرى الفريق ضاحي أنها المهدد الأول للأمن الخليجي، فأميركا ليس لها صديق وتنفض يدها من أصدقائها بسرعة، السياسة الأميركية اليوم تشكل تهديداً لأنها تسعى إلى قلب الأنظمة، زمان كانوا يتحدثون عن فرض الديمقراطية وفشلوا في العراق وأفغانستان واليوم أصبحوا يصدرون الثورة إلى المنطقة حسب نهج الخميني، وهذا ما رأيناه في تونس ومصر وليبيا واليمن وحالياً في سورية، ولا ندري من القادم؟ إيران على طول ثورتها فشلت في تصدير الثورة وإسقاط صدام، وفي أن يكون لها وجود فعال في العراق لكن أميركا حققت لإيران كل أحلامها! لا تصدقوا مزاعم أميركا بتحرير الشعوب فعندنا شعب فلسطيني محروم من حرياته بأكثر من أي شعب فلماذا لم تتحرك أميركا؟ ولماذا رفضت أن يكون لهم دولة؟ أميركا لم تعد حليفاً بل طرفاً مخيفاً فاحذروا من الانسياق وراءها في مواجهة إيران حتى لو كان برنامجها النووي "شري" فلا مصلحة للخليج في مواجهة إيران.

2- البرنامج النووي الإيراني، ولو كان سلمياً، لإمكانية التسرب الإشعاعي وبوشهر على خط زلزال نشط، وهم ليسوا "أشطر" من الروس، وطائراتهم تتساقط لنقص قطع الغيار، فكيف إذا أقاموا المفاعل العملاق؟! 3- أطماع إيران في المنطقة. 4- تصريحاتها المتهورة، مع الأسف الشديد نحن في مقابل جار متهور كل يوم يهدد ويتوعد.

5- تبعية العراق لإيران. 6- التدخلات الأجنبية. 7- التنظيمات الإيديولوجية. 8- تدهور الأوضاع في اليمن، على اليمنيين القيام بثورة علاقات شبيهه بالثورة الصينية على الأفيون.

أما المهددات الداخلية فهي (30) مهدداً منها: الإعلام المسيس القائم على تهييج المنطقة، وافتقاد موقف خليجي موحد من إيران وإسرائيل، وتفاقم البطالة، وفقدان العدالة الاجتماعية (في الوظائف والتعليم والعلاج والإسكان والتقاضي والثروة والاستثمار)، والفساد المالي والإداري المستشري، وعدم سيادة القانون على الجميع، والتضييق على الحريات.

فهناك من يقال له: لا تكتب ولا تتكلم، وتسلّط البعض في الأجهزة الأمنية، وخروجهم على القانون، وشللية المناصب وربطها بعوائل معينة، وهدر المال العام (تضخم في الصندوق السيادي والمواطن مفلس الأيادي)، واختلال التركيبة السكانية بسبب هجرات كالطوفان أدت إلى غربة في الأوطان والشعور بعدم الأمان وتفاقم الأحزان، وضعف الانتماء والولاء الوطني بسبب التنشئة الطائفية وقصور المناهج التعليمية، وتأجيج النزاعات الطائفية بفعل المنابر الدينية والفضائيات والأقلام المتعصبة.

وعدم تجريم أفعال الكراهية (سبق لمجلس الأمن أن أصدر قراره 1624 بتجريم التحريض على الكراهية والعنف كما أكدته قمة مكة 2005)، واتساع الفجوة بين الحاكم والمحكوم، وقلة في ثراء فاحش وأكثرية في فقر ناهش، وتطوير الأنظمة الخليجية (حاكم مدى الحياة ما عاد العقل يستوعبه)، وأخيراً غياب اتحاد خليجي فاعل.

وقد حذر خلفان من أن تراكم الخلل وعدم معالجته يؤدي بمرور الزمن إلى تفاقم الضغائن، مما قد يولد ردات فعل غير حميدة ضد النظام والمجتمع.

ويحمد لهذا العرض الرائع أن الفريق يذكر العلاج المناسب عقب كل خلل أمني، والحقيقة أن ورقة الفريق ضاحي تشكل دستوراً محكماً للإصلاح الوطني الخليجي نابعا من قلب ناصح ومحب وحريص على الخليج ونظامه، وحذر خلفان من أن السنوات الخمس القادمة ستكون محرجة لنا إذا لم نشكل الاتحاد الخليجي.

لقد طرحت رؤى وتصورات قيمة في هذا المؤتمر لمفكرين ومسؤولين خليجيين بارزين: محمد جابر الأنصاري، وعبدالله بشارة، وعبدالعزيز عثمان صقر، وعبدالخالق عبدالله، وأنور ماجد عشقي، ومحمد الرميحي وعدنان بومطيع وعبداللطيف الزياني وغيرهم ولا يتسع المقال لذكرها فمعذرة للقارئ.

* كاتب قطري

back to top