كذبة الربيع العربي!

نشر في 16-02-2012
آخر تحديث 16-02-2012 | 00:01
No Image Caption
 مسفر الدوسري أكاد أجزم أن الربيع العربي كذبة كبرى، أو أنه بعبارة أدق تضمّن كذبة كبرى!

ما يقال عن أن هذا الربيع جاءت به الشعوب الباحثة عن الحرية والديمقراطية، كذبة العصر ومحض إفتراء سافر على الحرية والديمقراطية وعلى الربيع على حدّ سواء.

شعوب هذه المنطقة ليست معنية بالحرية، كما أن الديمقراطية لا تشكّل هاجساً مصيريا لدى أفرادها، ولن تجد من يضحّي بحياته من أجلهما سوى استثناءات شاذة هنا أو هناك،

وأعتقد أن هذه حالة طبيعية ومنطقية لنا.

فالحرية ليست إحدى مكوناتنا النفسية والفكرية كأفراد كما لدى شعوب أخرى، وليست إحدى خيوط النسيج الأساسية المكوّنة لشخصيتنا، وليس لها تاريخ حي في ذاكرتنا الاجتماعية والثقافية، وليس لها عمق وجداني في قلوبنا، كما أنها لا تشكل ركناً ثابتاً في مجمل قيمنا الأخلاقية والإنسانية.

لم تكن الحرية في يوم من الأيام أمّنا التي أرضعتنا من حليب ثديها، وليست ابنتنا التي نطوي عليها أضلعنا كلما ارتجفت برداً، وهي ليست زهرة ربيعنا في أي حال من الأحوال،

الحرية لم تشاركنا يوما قهوة الصباح، لم تتصفح معنا مانشيتات الصحف اليومية، وتتوقف عند تلك الأخبار المفجعة لنا، لم تصاحبنا في الشوارع خلال النهار، ولم تشاركنا وسائدنا أثناء الليل.

لم تكن حتى على الصعيد الشخصي والضيق واحدة ضمن أفراد أسرنا الصغيرة،

لم تكن ضمن محتويات حقائب أولادنا المدرسية التي يحملونها فوق ظهورهم كل صباح،

الحرية والديمقراطية لم نتربّ عليهما، ولا نفقه كنههما، والجوانب الغامضة فيهما أكبر بكثير من الجزء الصغير الذي نظن أننا نعرفه عنهما.

كيف إذن يضحّي شخص ما بحياته كلها من أجل شيء لا يعرفه؟!

شرط التضحية الإيمان، وشرط الإيمان المعرفة،

وعليه فإن الربيع العربي الذي تضمن كذبة تم تسويقها علينا وحاولنا جاهدين تصديقها، لا يمكن أن تكون الحرية أو الديمقراطية محرضتين لحدوثه، والدليل أن الشعوب التي مرّ بها ذلك الربيع انتخبت "بكامل حريتها" قوى مرشّحة بقوة لتهديد تلك الحريّة ومصادرة الديمقراطية من إيدي شعوبها.

قوى لها أيديولوجية واضحة وصريحة في ما يتعلق بالحريات العامة والفردية وحقوق المواطنين كافة على اختلاف فئاتهم وانتماءاتهم.

إذن ما هو المحرك لكل هذه الثورات إن صحّت التسمية؟!

برأيي أن المحرك الأساسي وربما الوحيد هو الإحساس بالذلّ، الذي ولّد رغبة بالثأر والانتقام ممن تسبب بهذا الإحساس، وعلى عكس الحرية والديمقراطية فإن الثأر والانتقام صفات ضمن خصالنا العربية الأصيلة التي مازالت حية في أنحاء كثيرة من وطننا العربي.

وأذكّر هنا أن الإحساس بالذل يختلف من ثقافة إلى أخرى، ففي بعض المجتمعات مصادرة حرية شخص بغير وجه حق يعتبر إذلالا وامتهانا لإنسانيته، بينما لا يكون كذلك في ثقافة أخرى، وربما لقمة العيش لدى مجتمع أهم من حرية التعبير عن الذات مقارنة بمجتمع آخر كمعيار للكرامة.

لذا أنا لست على يقين بأن لا بلد سينجو من زحف ما يسمّى بالربيع العربي، هناك أماكن لن تطأها قدم الربيع في المدى المنظور.

back to top