حملة "اقلب" التي انطلقت قبل فترة ليست ببعيدة، كحملة إعلامية رمزية على شبكة الإنترنت قام من خلالها المشاركون بقلب صورهم التعريفية رأسا على عقب، للتدليل على تعاطفهم ودعمهم للحقوق الإنسانية لفئة البدون، كان اللافت فيها أن هذه الحملة، وهي التي أطلقها الشاب أحمد الخليفي، من الكويت، مستهدفا قضية البدون في الكويت فحسب، تجاوزت دائرة المشاركين الكويتيين لتجد صداها البالغ عند كثير من الخليجيين والعرب، والذين قام كثير منهم بدوره بالاستفادة منها للتذكير بمشكلة البدون أينما كانوا، سواء في الكويت أو في أي بلاد أخرى.

Ad

الحملة لم تستمر إلا أياما بسيطة، كما كان مقررا لها، وانتهت بعدما حصدت مشاركة كبيرة، بينت حجم التعاطف مع هذه المسألة التي طال أمدها عندنا في الكويت، بالرغم من كل الوعود والتطمينات الحكومية بأنها في طريقها إلى الحل.

لكن، وبطبيعة الحال، كان هناك من لم يشاركوا في الحملة، لأسبابهم المتنوعة، التي لن أخوض فيها، وكان هناك من وقفوا ضدها، لأسبابهم المتنوعة أيضا، والتي لن أخوض فيها كذلك، وكان هناك من هاجموا، بل تهجموا على من شاركوا في حملة "اقلب"، ونعتوهم بشتى الأوصاف السيئة, على شاكلة الاتهام باللاوطنية بل خيانة الوطن، وهؤلاء حكايتهم حكاية ولا شك، ولكنني أيضا لست في وارد الخوض فيها!

لكن ما يجب أن يوضح ويقال هو أن حملة "اقلب" لم تكن سوى حملة إعلامية رمزية، كما ذكرت في البداية، وكان الهدف الرئيس منها التذكير وإثارة الانتباه لقضية البدون؛ وبالأخص لحقوقهم الإنسانية، وهي القضية التي لم تجد طريق الحل الحقيقي حتى هذه اللحظة، وأقول هذا، إجابة لمن تساءل عن الهدف من الحملة.

وأما من قال وماذا ستفيد البدون حملة إعلامية في الإنترنت؟ فأقول إن الحملات الإعلامية، حين يحسن استخدامها، أدوات يجب ألا يستهان بأثرها أبدا، والحملات الإعلامية عبر شبكات التواصل الاجتماعي صارت أشد وأوقع أثرا.

حملة "اقلب"، على سبيل المثال وبعد انطلاقها وتوسع دائرتها، وجدت اهتماما من عدة قنوات فضائية وشبكات إخبارية، وهذه بدورها حملتها إلى دائرة أوسع من الإنترنت وهكذا، ومثل هذا الانتشار عادة ما يحمل معه ضغطا سياسيا، نأمل أن يساهم في دفع القضية قدما نحو الحل. لكن، بالطبع، لا قيمة لحملة "اقلب" أو غيرها، إن لم تكن موصولة بعمل يستمر بعدها على الأرض؛ عمل حقيقي بأدوات ووسائل أخرى متنوعة، وإلا فإنها ستكون كطلقة في الهواء, سرعان ما سيخفت دويها وينتهي أثرها.

قضية البدون في الكويت، وهي القضية التي اقتربت منها كثيرا بحكم نشاطي الكثيف فيها في وقت من الأوقات، قضية متعددة الأوجه، فلها وجهها الإنساني ولها وجهها الاجتماعي ولها وجهها الأمني ولها وجهها الاقتصادي ولها وجهها السياسي، وغير ذلك. لكن أغلب من يتعاملون معها، أو يتحدثون عنها، لا يرون منها إلا وجها واحدا عند ذلك، كل بحسب دوافعه ونوازعه وأهوائه، وهنا المشكلة.

الموضوعية تقول إنه لا يصح نزع وجه من وجوه هذه المشكلة عنها، ولا يصح التغافل عنه حين التعامل معها أو الحديث عنها، فهي كل متكامل، والحقيقة التي يجب أن ندركها، في الكويت، أن هذه المشكلة لن تحل نفسها بنفسها، وأن إطالة الأمد، والاستمرار بخنق فئة البدون من خلال حرمانهم من الحقوق الإنسانية، وإجبارهم على التسجيل في اللجنة المركزية اعترافا بجنسيات أخرى ليست لهم في الحقيقة، لن يزيدها إلا تعقيدا، فالبدون في المقابل قد أثبتوا قدرتهم الفائقة على البقاء والتعايش بالرغم من كل هذه الظروف الساحقة، والمشكلة لذلك ستكبر وتكبر لتثقل وتتعقد أكثر وأكثر.

وكلامي الآن في هذه النقطة موجه إلى من بيدهم الأمر في قضية البدون: خافوا الله في الكويت، ولن أقول خافوه في هؤلاء البشر على صعيد الحقوق الإنسانية فما عاد هذا يحرك شيئا في مشاعركم. خافوا الله في الكويت، فإن هذه المشكلة قنبلة موقوتة، وإن انفجرت ستتطاير شظاياها في كل اتجاه ليمتلئ جسد هذا الوطن آنذاك بالكثير من الجراح والثقوب، وسيكون العلاج وقتها عسيرا جدا، ولن يغفر لكم أحد حينها هذه الخطيئة. باشروا بعلاج حقيقي سريع، يتناول ملفات البدون فردا فردا، ويعطي المستحق منهم حقه، ويصحح أوضاع الجميع على الصعيد الإنساني.