ستُثبت الأيام أن وراء مبادرة الجامعة العربية, لحل المأزق السوري المتفاقم, صفقة سياسية وربما تجارية أيضاً، إذْ إن هذا الذي جرى وبهذه الصورة لا يفيد إلا إيران ولا يفيد إلاّ نظام بشار الأسد، فقطع الطريق على تدويل هذه القضية موجه بالأساس إلى الدور التركي الذي بات فاعلاً، والذي كان أكثر من مسؤول إيراني قد هدد باعتراضه حتى إن استدعى الأمر اللجوء إلى القوة العسكرية.

Ad

قبل أن تستفيق الجامعة العربية من غفوتها الطويلة وتبدأ تحركاتها التي انتهت بالتوصل إلى هذه المبادرة التي وافقت عليها القيادة السورية بحماس غير متوقع، كان هناك حديث، وكانت هناك اتصالات لإعادة ملف الأحداث السورية إلى مجلس الأمن الدولي، وكانت هناك تقديرات بأن روسيا والصين باتتا على وشك التخلي عن موقفيهما المتشددين السابقين في مجلس الأمن الدولي والاكتفاء بعدم التصويت على أي قرار يُتخذ ضد نظام الرئيس بشار الأسد.

إن هذه مسألة، أما المسألة الثانية فإن ما يشير إلى أن هناك صفقة "مـا" هي التي عجَّلت بالتوصل إلى هذه المبادرة هو ما كان أعلنه رجب طيب أردوغان في آخر ظهور له على خط هذه الأزمة وأوضح فيه أن تركيا غدت ذاهبة إلى ما هو أبعد من كل مواقفها السابقة، وأنها على وشك اتخاذ خطوة قد تصل إلى إنشاء منطقة محمية داخل أراضي سورية المحادّة تكون منطلقاً للمعارضة السورية ومكاناً لتجمع المنشقين عن الجيش السوري لتسليحهم ودفعهم في عمليات عسكرية لحماية التظاهرات السلمية من بطش جيش النظام السوري وميليشياته المعروفة باسم "الشبيحة".

ولعل ما يؤكد أن مبادرة الجامعة العربية هذه قد جاءت في هذا الوقت بالذات لحماية نظام بشار الأسد من خطر التدويل, الذي تشكل تركيا رأس حربته, أن كل ما تضمنته هذه المبادرة هو مجرد بنود إجرائية بإمكان النظام أن يتنصل منها كلها بالاعتماد على بعض بنودها التي تتحدث عن ضرورة وقف العنف "من أي مصدر" والتي تتحدث أيضاً عن "حوار" بعد أسبوعين لم يحدد مكانه، وكانت القيادة السورية قد رفضت مسبقاً إجراءه في الخارج لا في القاهرة ولا في أي مكان آخر.

إن المشكلة بالأساس هي مشكلة سياسية، وهي مشكلة نظام عائلي استبدادي بقي يحكم سورية وشعبها بالحديد والنار أكثر من أربعين عاماً،  وكان على الجامعة العربية, إذا لم يكن المقصود من مبادرتها التنفيس فقط وإجهاض التحرك التركي لحساب الدور الإيراني في المنطقة وقطع الطريق على إعادة الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي, أن تضع خطة مرحلية يتم التفاوض لا "الحوار" بشأنها بين النظام والمعارضة لوضع تصورٍ تطبيقي للانتقال السلمي للسلطة من عائلة الأسد-مخلوف إلى السوريين كلهم بكل قواهم وطوائفهم ومنابتهم وأصولهم ومن خلال انتخابات تشريعية ورئاسية تشرف عليها الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المعنية بهذا الأمر.

أما أن تكتفي الجامعة العربية بهذه الصيغ الحمالة الأوجه التي لم تتضمن كلمة واحدة عن تنحي بشار الأسد وفتح المجال أمام شعب سورية ليقرر مصيره بنفسه على أساس مرحلة انتقالية قصيرة تأخذه إلى انتخابات حرة ونزيهة، فإن هذا يؤكد أن وراء هذه "اللفلفة" صفقة معينة لإنقاذ هذا النظام المتهالك ولقطع الطريق على التحرك التركي الجاد الذي تحدث عنه رجب طيب أردوغان بكل وضوح وصراحة، والذي يتناغم مع تأكيد أميركي جديد على ضرورة تنحي الرئيس السوري ورحيله، وبالتالي لتبقى إيران تسرح وتمرح في الشرق كله.