زمن عبدالله السالم: المحارب المسالم
لعله كان من أظرف الألقاب التي أُطلقت على الشيخ عبدالله السالم وأكثرها دلالة، ألا وهو لقب «المحارب المسالم»، فقد أدرك الإنكليز مبكراً ومنذ بداية احتكاكهم به كحاكم في بدايات فبراير 1950 أسلوب ونمط الشيخ، كان سهلاً ممتنعاً، لا يرغي ولا يزبد، ولا يصعد ولا يزايد، ولكن يكون شديد التركيز، وبالذات على الهدف العام.
لعل أحد أهم مفاتيح فهم شخصية عبدالله السالم، المراقبة والتمعن في نمطه التفاوضي. ومع أن بعضاً من تفاصيل ذاك النمط كانت ذا بعد تكتيكي بحت، إذ أكثرها كان استراتيجياً بامتياز. كان لافتاً تكرار ذلك النمط، ونجاحه في تحقيق المطلوب مذ أن تولَّى الحكم. اتضح ذلك في تفاوضه مع الإنكليز في قضايا كإنشاء مكتب الاستثمار الكويتي بلندن في فبراير 1953، أو ضغطه للسماح بإنشاء بنك الكويت الوطني في 1952، أو حسمه لموضوع جلب المياه من شط العرب، أو تأميمه لما يقارب السبعة والتسعين في المئة من أراضي الكويت بشكل نهائي عام 1956 بعد أن بدا العبث وحمى الاستيلاء عليها، أو إلغائه للتعاقدات المبرمة مع الشركات الخمس في بداية الخمسينيات، أو ضغطه على الإنكليز لتغيير شروط التعاقد مع شركة نفط الكويت لزيادة دخل النفط، أو ضغطه على الإنكليز لإنهاء حالة الازدواج القانوني، حيث كان الإنكليز والأجانب يحاكمون بمحكمة خاصة في دار الاعتماد البريطاني وغيرهم يحاكمون أمام المحاكم الكويتية، حتى بدأ التحرك لإنهائها بامتياز واقتدار سنة 1959. وغير ذلك كثير. وحتى في تعامله مع أحداث الاستقلال أو طريقة قيادته السلسة لعملية إصدار الدستور في 1962.لن نقول إنه كان زمناً جميلاً، فهذا ليس إلا وصفاً ذاتياً، ولكنه كان زمناً يستحق التفكير والتمعن في زواياه والارتحال فيه عسى أن نجد فيها دروساً، وما أحوجنا في هذه الأيام إلى الدروس.