باستثناء «الإخوان المسلمين» وبعض القوى الهامشية وعدد من شبان المساعدات الأميركية (U.S.AIDS) فإن الغالبية العظمى من الأردنيين قد استقبلت التعديلات الدستورية, التي بلغت اثنين وأربعين تعديلاً والتي أعدتها لجنة ملكية من بعض رؤساء الحكومات السابقين ومن كبار المشرعين والقانونيين, بارتياح كبير وبثقة بأن الأردن سيبقى على شاطئ الأمان رغم كل هذه العواصف الهوجاء التي تضرب عدداً من الدول العربية من بينها الجارة الشمالية سورية.

Ad

هناك في الأردن كما في أي بلد من بلدان العالم مجموعات وتنظيمات «مايكروسكوبية» تعيش على هوامش الحياة السياسية لا شغل لها إلا المعارضة من أجل المعارضة وإغماض العيون عن أي إيجابيات والإصرار على عدم رؤية إلا السلبيات، وهؤلاء جميعاً بادروا، وبينما الأردنيون يعيشون لحظة تحولٍ تاريخية فعلية، إلى التقليل من شأن ما حصل وإنكار أي جديد في ما حصل وهذا ينطبق عليه قول المتنبي:

ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريض

يجد مُراً بـه الماء الزلالا

بعد هذه التعديلات, التي أخذت طريقها أولاً إلى الحكومة ثم إلى مجلس الأمة بجناحيه النواب والأعيان, ستكون هناك هيئة متصلة للإشراف على الانتخابات، وستكون هناك محكمة دستورية للنظر في دستورية القوانين كما ستكون هناك استقلالية للقضاء على أساس الفصل بين السلطات, السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية, وكذلك فإن محاكمة الوزراء ستصبح أمام القضاء بدلاً من مجلس النواب، وأن مبدأ التداول على السلطة سيكون من خلال حكومات برلمانية عبر انتخابات حرة ونزيهة وفقاً لقانون عصري يعطي فرصة لمشاركة كل القوى والأحزاب والتشكيلات والتنظيمات السياسية.

إنها بداية، ولكنها بداية واعدة، فتعديل اثنين وأربعين مادة دستورية أساسية يعني أن الأردن حقق انتقالة تاريخية في مجال الإصلاح السياسي والديمقراطية والحريات العامة ويعني أنه بات في منأى عن كل هذه العواصف التي ضربت والتي لا تزال تضرب بعنف بعض دول هذه المنطقة العربية والتي وللأسف قد تنحرف عن خط سيرها وتؤدي إلى حروب أهلية مدمرة أو إلى انقلابات عسكرية كانقلابات خمسينيات وستينيات القرن الماضي التي أوصلت هذه الأمة إلى ما وصلت إليه.

تساءل كثيرون, عندما وصل بعض شرر ما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن... ولاحقاً في سورية إلى الأردن, عن إمكان الصمود في وجه هذه الأمواج العاتية الزاحفة، وكان جواب غير الحاقدين الذين هم الأكثرية أن التجربة الأردنية تختلف عن تجربة الآخرين بأن هناك قانوناً يلزم الجميع هو قانون التسامح وأن عملية الإصلاح لم تبدأ بعد أن بدأ هذا الـ«تسونامي» السياسي يضرب المنطقة بل قبل أكثر من عشرين عاماً حيث في عام 1989, كما هو معروف, أُطلقت الحريات العامة وسُمح بالتعددية الحزبية لكل الأحزاب وكل التيارات اليمينية واليسارية والوسطية، وحيث أُلغيت المحاكم العسكرية إلَّا في الحالات المتعلقة بالإرهاب وقضايا أمن الدولة، وباتت التجمعات والمظاهرات والاحتجاجات مسموحة وبلا عوائق وأصبحت الصحافة حرة ولا يحتاج إصدار الصحف إلَّا إلى مجرد إشعار للحكومة.

وهكذا ولأن الأردن بقي محكوماً بما يسمى قانون التسامح، ولأنه بدأ عملية الإصلاح مبكراً، ولأن هذا الإصلاح جاء استجابة لرغبة الأردنيين وليس تحت ضغط أي قوة خارجية، فإنه ورغم كل هذه الاحتجاجات اليومية والأسبوعية المتواصلة لم يُقْتلْ ولم يُجرح أي أردني على مدى كل هذه الشهور الساخنة، والسجون لم تستقبل أي معتقل سياسي والمعترضون والمعارضون بقوا يُستقبلون حتى في الديوان الملكي، مع أنهم بقوا يتمسكون بمواقفهم المتعارضة مع مواقف الغالبية الأردنية.