ينخرط أغلب مستخدمي الإنترنت والهواتف الذكية اليوم في عالم ما يسمى بشبكات التواصل الاجتماعي، حيث صار الجميع تقريبا إما ينشرون في كتاب الوجوه "فيسبوك" وإما يغردون في عالم المغردين "تويتر"، وإما ينشرون ويغردون في هذين المكانين الشهيرين في ذات الوقت، هذا بالإضافة إلى الكثير من الشبكات الاجتماعية الأخرى، التي صار من أبرزها اليوم القادم الجديد المندفع "غوغل+"، وهو اسم الشبكة الوليدة لشركة "غوغل" التي يتوقع الخبراء لها أن تكتسح وتأكل الأخضر واليابس، وذلك لما لها من أياد مطاطية طويلة ممتدة في كل اتجاه، وأدوات شتى تنشط في كل مجال!

Ad

والدخول إلى هذه الشبكات لم يعد حكراً على الأفراد، بل تدافعت الشركات والمؤسسات للدخول إليها كذلك، وذلك لأن هذه الشبكات قد وفرت قاعدة جماهيرية ضخمة ممتدة عبر الحدود، لم يكن يحلم بها أحد في يوم من الأيام، فعدد المشتركين في "فيسبوك" يفوق الستمئة مليون شخص، أي لو كان دولة لصار الدولة الثالثة من حيث عدد السكان على مستوى العالم، وعدد المشتركين في "تويتر" يفوق مئتي مليون، بالإضافة إلى مئات الملايين الأخرى الموزعة في الشبكات الاجتماعية الأخرى، ولكم أن تتخيلوا الصورة!

هذه القاعدة الضخمة المتاحة بالمجان، أو لنقل بتكاليف لا تشكل إلا عشر معشار التكاليف التي كانت تضخها الشركات والمؤسسات في بنود الإنفاق على الإعلانات والتسويق، جعلت كل الشركات، أو لنقل أغلبها، تندفع إلى الدخول في عالم شبكات التواصل الاجتماعي، ولكنه كان اندفاعا يعوزه الكثير من التخطيط والاحترافية المهنية في كثير من الأحيان، بل اندفاعا مشوبا بكثير من الحماقة في حالات بعينها، وكان السبب في ذلك راجعا إلى قلة الخبرة، وكذلك إلى استسهال الأمر، ظنا منهم أنه ليس إلا رسائل سريعة يكتبونها ويضغطون الزر لنشرها والسلام، في حين أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، ولعله سيكفيني من باب تسليط بعض الضوء على هذه النقطة فقط أن أذكر أنه قد ظهرت في العالم اليوم جهات استشارية متخصصة، تقدم الدراسات والنصائح حول ما يسمى باستراتيجيات التسويق والتواصل عبر الشبكات الاجتماعية، مما يدل على أن الأمر ليس مزحة.

هناك من يسمي شبكات التواصل الاجتماعي بشبكات الإعلام الاجتماعي، والحقيقة أني لا أفضل هذه التسمية، وذلك لأن هذه الشبكات، وعلى الرغم من كونها فعلا وسائط إعلامية فائقة جدا، كما تبين قبل سطور، فإن الفكرة الأساسية من ورائها عندما أنشئت كانت إتاحة قنوات للتواصل بين الناس. كانت في البداية للأفراد بين بعضهم، ومن ثم توسعت فصارت أيضا من الأفراد نحو المؤسسات، ومن المؤسسات نحو الأفراد. وحرصي على التمييز بين الأمرين هنا، أعني أن هذه الشبكات وسائل تواصل أكثر من كونها وسائل إعلام، ليس من باب الدقة العلمية المجردة أو السفسطة، إنما لأن التمييز هو الذي سينعكس على الأسلوب الذي تُستخدم به هذه الشبكات، وسأوضح مرادي أكثر. استخدام الشبكات الاجتماعية سعيا إلى الانتشار ولكن بذات أساليب الإعلان التقليدية القديمة، سواء في المطبوعات أو حتى في المواقع الإلكترونية الأخرى، قد أثبت قلة فاعليته، وذلك لأن مستخدمي هذه الشبكات قد أقبلوا عليها أساسا، وبهذه الأعداد الهائلة، لأنها أتاحت لهم وسيلة للتفاعل مع الأطراف الأخرى كائنا من كانت، وبالتالي فكل من سيدخل إلى عالمها ولن يتيح لها هذه الفرصة للتواصل معه ولن يتفاعل معها، سيتم نبذه وسيفشل في تحقيق الهدف الانتشاري الذي يسعى إليه غالبا، وهذا الكلام وجدناه يصدق إلى حد بعيد في الحالتين، أعني على مستوى الأفراد وعلى مستوى الشركات. وحسابات الشركات التي ستقتصر على نشر الإعلانات الترويجية لمنتجات وخدمات هذه الشركات، لن تجد لها قبولا من مستخدمي الشبكات الاجتماعية في الغالب، في حين أن تلك الحسابات التي ستدار بشكل تفاعلي يتواصل مع الجماهير ويجيب عن تساؤلاتها ويلبي احتياجاتها ويقدم لها قيمة مضافة خاصة بها، ستنتشر وتجد لها القبول، وسيتحول جمهورها إلى مسوقين لها في ذات الوقت.

لكن هذا الأمر، هو سلاح ذو حدين بطبيعة الحال، فإضافة ميزة التفاعلية إلى حسابات الشركات في الشبكات الاجتماعية، أي جعلها أكثر تفاعلا مع المتابعين، سيجعل هامش الخطأ البشري فيها أكبر لأنها ستكون خاضعة لاجتهادات من يقوم بإدارتها في لحظات التفاعل المختلفة، وهو ما يتطلب، كما أسلفت، وجود خطة واستراتيجية واضحة ومحكمة، تمزج ما بين أن الحساب يظل حسابا رسميا لشركة أو مؤسسة ذات اعتبار وليس لمجرد فرد، وما بين أن الحساب في ذات الوقت يحمل روحا ونظرة بشرية تتفاعل مع ديناميكية الجمهور واحتياجاته وتتجاوب ورغباته وتفضيلاته.