احتضنت مكتبة آفاق أخيراً حفل توقيع دواوين الشاعر دخيل الخليفة، من بينها ديوانان قديمان في طبعة ثانية، هما «صحراء تخرج من فضاء القميص»، و»بحر يجلس القرفصاء». كان الحضور كبيراً ولافتاً، ابتداء من الأسماء الكبيرة مثل إسماعيل الفهد، وليلى العثمان، انتهاء إلى الأسماء التي نقرأ لها راهناً من الكتاب الشباب، وتضمن الحضور أكاديميين، وأساتذة في الجامعة.
يمكنني أن أعتبر حفل التوقيع هذا ناجحاً لكلا الطرفين، الشاعر الذي التف حوله الأصدقاء، والقراء من كل صوب، وكذلك لدار النشر السعودية «أثر»، وهي دار حديثة انطلقت في 2010، واختارت طريق الثقافة والفكر، وهي طريق صعبة، ومكلفة للناشرين، ما لم تكن تتعامل مع أسماء/ نجوم، لها قراؤها، وجمهورها. في ديوانه الجديد «يد مقطوعة تطرق الباب»، وهو المناسبة الفعلية لحفل التوقيع، نقرأ الخليفة شاعراً بدوياً، ذا قدمين مفلطحتين، يطرق أبواب المنفى، وينثر مراراته، وأسئلته هنا، وهناك. فالليل منسدل، ونائم أبداً أمام بابه، بينما يذهب صغاره إلى طابور الصباح، ويظل وحيداً، يفتش في أوراقه، لعله يجد وطناً مختبئاً بين ركامها: «كأن جروحنا اعتادت على الكي لماذا نقبّل الحزن قبل أن ننام لماذا نصافح العقارب بعد أن تلدغنا خمسين مرة لماذا نرتجف عندما يطرق بابنا الهواء؟ أكل هذا تصنعه ورقة؟» وبالطبع فإن باب الأسئلة هذا المختبئ خلف «كابوس» ورقة يظل مفتوحاً على مصراعيه، وهو الباب/ القضية، الذي أمد الخليفة بهذه الذخيرة اللغوية، والصور المليئة بالمرارة، وحتى على مستوى القاموس اللغوي، لا يمكننا أن نخرج عن إشارات مليئة بالقسوة، الفقد، الذي ينتهي إلى الموت، وبرغم «القضية» التي تلبّست قصائد الخليفة، وألبسته أثواب المرارة، فإن شعره لا يخلو كذلك من لفتات إنسانية آسرة، فنحن نجد الحب العذب، والمشاغبات الأسرية المعتادة، والمرأة/ الإنسان/ الحب/ الشريك. هذه اللمحة الإنسانية هي ما يمنح الشعر خلوده، وجاذبيته المستدامة، لأنها بكل بساطة «لمسات» يعيشها جميع الناس، الفقراء والأغنياء على حد سواء، لنقرأ هذا النص البديع: «أريدك أن تصنعي لفمك قفلا صغيرا مفتاحه بيدي ألا ترمشي كثيرا حين أحدثك عن أوساخ المطبخ/ وعن زغب إبطيك الشقة جنّة بلا أجنحة/ بلا بخور وأشعر بأنني حصان تنتظرين صهيله فقط ما الذي يظلّلنا في هذا المكان ونحن غريبان عن هذا الهواء اللزج؟ متآلفان بلا أوراق مختومة» «آخر الغواية»، وأولها، وباب الأسئلة المشرَعة على «سجن»، و«غريب»، و«رياء» و«حمامة» و«أوطان» خارجة عن القانون، كلها مفاتيح، وثيمات، تصنع شعرية دخيل الخليفة، هذه النصوص برأيي لم تفقد بهاءها، لأن الخليفة استطاع بذكاء الشاعر أن يصبغها بالطابع الإنساني، وهو هم مشترك يعيشه البدون، والمواطنون الخليجيون بكل فئاتهم، يعيشه حتى أولئك الذين يتظاهرون في شوارع نيويورك مطالبين بإسقاط «وول ستريت». هو الإنسان/ الطفل/ الأسرة/ الزوجة الحبيبة والأصدقاء المغتربون، كلها أدوات استطاع الخليفة أن يوظفها في ديوانيه السابقين، خصوصا «صحراء تخرج من فضاء القميص» هذا الديوان الغني بأجوائه وتنويعاته الشعرية. يتريث دخيل الخليفة كثيراً قبل إصدار دواوينه، فديوانه الأخير «يد مقطوعة تطرق الباب»، وهو الرابع، تأخر قرابة أحد عشر عاماً، بعد صدور ديوانه الثالث «صحراء تخرج من فضاء القميص» فلمَ هذا التأخير والتريث في الطباعة، هل هي قصائد تطبخ على نار هادئة، أم هي المشاغل، والعمل المضني في بلاط صاحبة الجلالة، أياً يكن الأمر فإن صدور هذه الدواوين الثلاثة دفعة واحدة يمنح القارئ/ الناقد فرصة التأمل والتحليل والمقارنة في تجربة هذا الصوت التسعيني اللافت، ذي التجربة الخاصة.
توابل
لمسات إنسانية
11-12-2011