سواء أكنا متفائلين أم متشائمين من الحراك العام لمكافحة الفساد، على خلفية فضيحة "نواب غيت"، إلا أنه بات ملحوظاً أن تلك القضية قد حركت ماءً راكداً، ملعوناً، آسناً.

Ad

بالطبع لا نعلم إلى أين سيستقر هذا الحراك، وإن كان سينتج عنه حقاً منظومة مؤسسية تشريعية تنفيذية فاعلة في مكافحة الفساد، أم أنها ستكون مجرد صرخة في وادٍ، وبالتالي تنتصر ثقافة الفساد المتجذرة في السلوك السياسي. إلا أننا سنكون واهمين إن ظننا بأن تغيير الأشخاص فقط هو الذي سيؤدى إلى الإصلاح.

نحن في هذا الإطار موعودون بحزمة قوانين، إلا أنها كعادة كثير من القوانين قد تصبح حبراً على ورق أثناء الممارسة.

في الثاني عشر من سبتمبر الماضي تقدم القاضي رحيم حسن العكيلي، رئيس هيئة النزاهة العراقية باستقالة للهيئة نقتبس منها النص التالي:

"....إلا أنني أؤكد هنا رغبتي القاطعة في ترك المنصب، فإني عجزت مؤخراً عن الاحتفاظ بالدعم السياسي الذي كنت قد كسبته قبل عام 2011... فكانت الجهة السياسية التي تمارسها تظن أن لها سلطة التدخل في توجيه ملفات الفساد بالطريقة التي تراها مناسبة، ولم نكن نرغب في أن نكون شركاء أو شهوداً على ذلك، لأنه تدخل سافر في شؤون القضاء والعدالة، وتخلينا عن المنصب هو استجابة مخلصة لدعوة رئيس مجلس الوزراء المحترم للاستقالة في إحدى مقابلاته التلفزيونية، من أجل منح الفرصة لدولته لتحقيق رغبته في اختيار شخص قادر على مكافحة الفساد على حد وصف دولته، رغم أنني أجزم بأن مكافحة الفساد لا تتحقق بقدرة رجل أياً كان، ولكنها أنظمة، وآليات وسياسات وقواعد قانونية يديرها مهنيون أكفاء، بالتعاون والتنسيق والتكامل بين جميع السلطات والمؤسسات في الدولة، تحت رعاية إرادة سياسية كاملة، تدعم الملف ولا تتدخل فيه.

إن التكالب على نهب أموال الدولة وعقاراتها هو الجزء غير المعلن من الصراع على السلطة في العراق اليوم، لذا فإن ملف الفساد فيه سائر إلى مزيد من الالتباس والتعقيد والتسييس وخلط الأوراق، في ظل إرادة سياسية تدعي الوعي بحجم الفساد المستشري، ولكنها أضحت في الفترة الاخيرة متذمرة بقوة من الرقابة، ومن القواعد والقيود القانونية، وتسعى جاهدة لمقاومة أدوات وآليات المساءلة والشفافية، فكأنها مشغولة بمحاربة الرقابيين أكثر من انشغالها بمكافحة الفاسدين، وذلك لا نحصد منه إلا مزيداً من التراجع الذي أرفض بشدة أن أكون شريكاً فيه.

أما عن مواقف الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية المحترمة من هذا الموضوع، فإنني أشكر من انتقد أداءنا قبل شكري لمن أشاد به... إنما تفرض علينا مهنتنا كقاض أن نلتزم الحياد والاستقلال، وأن ننأى بأنفسنا وهيئة النزاهة عن الدخول في المعارك والتجاذبات السياسية، لذا فإننا لا نصلح أن نكون طرفاً ولا حكماً ولا شاهداً في كل تلك المواقف والتوجهات المحترمة، ولا نصلح للتعليق عليها لا سلباً ولا إيجاباً، فلا نريد أن نحسب على أي كتلة أو حزب، ونترك للسياسيين تصفية مواقفهم بأدواتهم وقناعاتهم.

شكري وتقديري للجهود الحثيثة للجنة النزاهة الموقرة في مكافحة الفساد، وشكري موصول لها على مساعيها الكبيرة في دعم استقلال وحياد هيئة النزاهة، ومنع التدخل في أعمالها" انتهى النص.

بالطبع هناك تشابه مع الوضع في الكويت، كما أن هناك تباينات واختلافات، ولكن كل ما نخشاه أن تكون النتائج متشابهة، وأن نعيش في المستقبل القريب لنقرأ استقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد الكويتية، فبلا إرادة سياسية من الجميع لن يكون هناك إصلاح، ولن يكون ذلك الحراك إلا سراباً بقيعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.