إعلان الرياض و الكونفدرالية
إن الدعوة إلى الاتحاد «الكونفيدرالي» هي دعوة مشروعة، حيث إن دول الخليج العربية ترتبط بعلاقات تعاون وثيقة منذ أكثر من ثلاثة عقود في إطار «مجلس التعاون»، ومن المفترض تطويرها باستمرار، خصوصا أن عالم اليوم هو عالم الاتحادات والتكتلات الاقتصادية؛ مع الأخذ في الاعتبار ما تمثله دول التعاون من أهمية كبرى للاقتصاد العالمي.
أثار "إعلان الرياض" الذي كان إحدى نتائج الدورة الثانية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت هذا الشهر، والمتضمن مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي تدعو إلى تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، نقاشا مفتوحا لايزال مستمراً بين المهتمين بالشأن الخليجي، وإن كان هذا النقاش لا يخلو من بعض التجاذبات الطائفية والأحكام والتحفظات المسبقة التي تكونت نتيجة لما يبثه إعلام "الحرب الباردة" بين كل من السعودية وإيران.لم يوضح إعلان الرياض ما نوع الاتحاد المطلوب، إلا أننا نظن أنه اتحاد كونفيدرالي بين دول مستقلة ذات سيادة شبيه بالاتحاد الأوروبي، وذلك لاستحالة تحقيق الاتحاد الفيدرالي الذي يعني الوحدة الاندماجية تحت علم واحد ونشيد وطني واحد، وتمثيل دولي واحد أيضا، كما هي الحال في الولايات المتحدة الأميركية أو دولة الإمارات العربية المتحدة.علي أي حال فإن الدعوة إلى الاتحاد "الكونفيدرالي" هي دعوة مشروعة، حيث إن دول الخليج العربية ترتبط بعلاقات تعاون وثيقة منذ أكثر من ثلاثة عقود في إطار "مجلس التعاون"، ومن المفترض تطويرها باستمرار، خصوصا أن عالم اليوم هو عالم الاتحادات والتكتلات الاقتصادية؛ مع الأخذ في الاعتبار ما تمثله دول التعاون من أهمية كبرى للاقتصاد العالمي. أضف إلى ذلك أن مبادرة الملك عبدالله قد أتت في ظروف عالمية وإقليمة ومحلية دقيقة وحرجة جدا، تتطلب البحث العلمي والجدي وغير العاطفي في مدى إمكانية تحقيق نوع من أنواع الاتحاد بين دول المجلس التي ترتبط في ما بينها بالكثير من العلاقات الاجتماعية والثقافية، وعلاقات التعاون خاصة في الشأنين العسكري والخارجي شرط أن تراعي الاختلافات السياسية والاقتصادية فيما بين دول التعاون؛ حتى يقوم الاتحاد على أسس سليمة ومتينة.بكلمات أخرى هل ينجح مجلس التعاون خلال مدة قصيرة في تقليل الفوارق السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين دول المنطقة لمصلحة الأفضل طبعا؛ تمهيدا لاتحاد كونفيدرالي ناجح بين دول مستقلة ذات سيادة، خصوصا أنه قد أخفق في تحقيق ذلك خلال العقود الثلاثة الماضية؟وفي هذا السياق فإن من المعروف أن الكويت والبحرين تحديدا أكثر تطورا من الناحية السياسية من باقي دول المجلس، فالكويت على سبيل المثال لديها نظام حكم ديمقراطي ولديها مجلس أمة منتخب، وهو الأمر الذي حال دون توقيعها على الاتفاقية الأمنية الخليجية ومنعها من إرسال قواتها إلى مملكة البحرين قبل أشهر لتعارض ذلك مع الدستور.كما أنه من المعروف أيضا أن هناك تفاوتا اقتصاديا واجتماعيا بين دول المنطقة لم يستطع مجلس التعاون، مع الأسف، التقليل منه لأنه يركز جلّ اهتمامه دائما على التعاون في الجوانب الأمنية والعسكرية فقط مع إعطاء أدنى أهمية للتعاون في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حتى أصبحت السمة العامة له أنه مجلس تعاون بين الأنظمة الحاكمة أكثر منه تعاونا بين شعوب المنطقة.قصارى القول إن موضوع الاتحاد الكونفيدرالي بين دول الخليج العربية يعتبر موضوعا حساسا وغاية في الأهمية، لكنه يحتاج إلى المزيد من النقاش الجدي والشفاف الذي تشارك فيه شعوب المنطقة حتى يقوم على أسس علمية صحيحة، ويحقق الفائدة المرجوة منه ليس للأنظمة الحاكمة فقط، بل لشعوب المنطقة أيضا.