المركب... في عرض البحر بلا ربّان

نشر في 04-07-2011
آخر تحديث 04-07-2011 | 00:01
No Image Caption
 محمد بدر الدين هذه هي الفكرة الرئيسة في فيلم «المركب»، ولعلّها أثمن ما فيه.

شباب في مركب هدفهم القيام برحلة سعيدة وإذا بهم يفتقدون الربان في منتصف الطريق، وإذا بالمركب يسير على غير هدى، بل إلى ضياع، لغياب الربان أو القبطان عن الوعي، بل مفارقته الحياة بشكل مفاجئ.

الفيلم من إخراج عثمان أبو لبن، كتابة هيثم وأحمد الدهان، تصوير أحمد حسين، بطولة سبعة من الممثلين والممثلات الشباب الواعدين، ألمعهم يسرا اللوزي وفرح يوسف، بينهم ريم هلال وأحمد حاتم، الذي لفت الأنظار في فيلم «أوقات فراغ»، رامز أمير وإسلام جمال وأحمد سعد، وأدى الممثل المخضرم المقتدر أحمد فؤاد سليم دور المركبي (ربان السفينة)، وظهرت الفنانة رغدة (كضيفة شرف) بإحساس وأداء متميز في دور قصير جسدت فيه شخصية والدة إحدى الفتيات (يسرا اللوزي).

لم يقصد الشباب سوى الحصول على وقت ممتع في رحلة بحرية، وهم زملاء في الجامعة وتجمع بينهم صداقة حميمة، وبدا الفيلم ذاته لا يقصد سوى تقديم وقت ممتع ومسلّ لجمهوره من خلال تلك الرحلة والرفقة، إلا أننا نظلمه إذا قلنا إنه يخلو من تأملات على نحو ما أو انطباعات تجاه الحياة.

بل يبدو أن هاجس افتقاد المصريين الى «ربان» أو «قيادة» في هذه المرحلة، كان وراء صيغة الفيلم الدرامية، سواء قصد صناعه ذلك أم لم يقصدوا.

أنجز «المركب» قبل قيام ثورة يناير 2011 الشعبية، وإن عرض بعدها، لكن من قال إن شعور المصريين بالافتقاد إلى القيادة هو وليد المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر بعد الثورة وعرض الفيلم خلالها؟ فقد لازم ذلك الشعور المصريين على مدى العقود الأخيرة، ولم يقنعهم الحاكم، الذي خلعته الثورة، بأنه «ربان للسفينة»، على رغم استغراق حكمه 30 سنة.

بل يقدّم «المركب» آباء وأمهات الفتية والفتيات أقرب إلى «أشباح» في حياتهم، لا يؤدون دوراً توجيهياً أو قيادة أو تأثيراً حقيقياً في دنياهم، وربما وجد الشباب في رفقتهم معاً ملاذاً ودنيا واستغناء عمن سواهم.

ونكتشف أن شاباً من بينهم يجمعه بزميلته (فرح يوسف) زواج عرفي غير معلن حتى للأصدقاء، إنه عالم التقوقع على الذات بكل معنى الكلمة.

وحينما يدخّن أحدهم سيجارة فيها مخدّر، يتمنى المراكبي أن يجرّبها، لكنه لا يحتملها كونه على درجة من تقدّم السن واعتلال الصحة، ليحيا الجميع بعد حين صدمة وفاته وعجزهم عن قيادة المركب، بسبب عدم وجود أحد من بينهم مؤهّل لمثل هذه المهمة.

وتتتالى صور ومشاهد خلال الرحلة، يعاني فيها الشباب الخوف على النفس، الخوف على الأهل، نقص الطعام والماء، حتى أنهم يصطادون سمكة صغيرة الحجم يتشاركون في تناولها، من دون أن تشبعهم بطبيعة الحال، كذلك يواجهون أحداثاً ومشاكل كانت كامنة في بعض النفوس (كتلك بين صديقتين)، وتصل ذروة المحنة أو المأساة بموت أحدهم، وإنقاذ فتاة من الغرق بصعوبة، واكتملت المأساة باختراق المياه المركب لتهدّد الجميع بالغرق.

وإن تم إنقاذهم في النهاية، في لحظة الذروة وقسوة التهديد، ليلقاهم الأهل في المشهد الأخير، لكن هل استوعب أحد درساً أو أدرك معنى؟

رمزية الفيلم لا بأس بها، ومن خلالها (الصحبة والسفينة وافتقاد الربان) كان يمكن أن يشير ويشي بالكثير، لكن محدودية الصنعة والحرفية والإمكانات الفنية والمادية على السواء، جعلتنا أمام فيلم بسيط محدود، لا يحقق إشباعاً فنياً ودرامياً حقيقياً، ويجعل المتعة إزاء الفيلم ناقصة، كذلك كانت متعة رفقة الزملاء في الرحلة البحرية محدودة وناقصة، تتهدّدها الأنواء من كل جانب!

يبقى الفيلم أقرب إلى تجربة أولية أو «بروفة» لعمل درامي كان ليكون أهمّ وأكبر، لكنه يظلّ أيضاً، كما رأيناه، بعيداً عن أي إسفاف أو استخفاف بمتلقّيه ولا يخلو من لحظات تأمّل جاد، أو على الأقل تثير تأملات، سواء قصد أصحاب الفيلم ذلك أم لم يقصدوا ويعوا تمام الوعي.

back to top