سيرتكب المسؤولون في دمشق حماقة، وليس خطأً فقط، إنْ هم ظنوا أن بإمكانهم الضغط على الأتراك لإجبارهم على التخلي عن موقفهم، الذي أعلنوه مراراً وتكراراً على ألسنة عبد الله غول ورجب طيب اردوغان وأحمد داود أوغلو، الرافض لاستخدام العنف الدموي ضد المحتجين السوريين من خلال دفع حزب العمال التركي لاستئناف عملياته العسكرية ضد أهداف تركية على غرار ما كان عليه الوضع قبل طرد زعيم هذا الحزب عبد الله أوجلان من دمشق وتسليمه للأتراك تسليم اليد ليصبح رهين زنزانة انفرادية في سجن إحدى الجزر القريبة من اسطنبول.
إنها لعبة في غاية الخطورة وعلى الذين يتصرفون في دمشق بنزق وطيش، بالتنسيق مع إيران بالنسبة لمسألة خطيرة كهذه المسألة، أن يضعوا في حسبانهم أن الغارات التي قامت بها طائرات سلاح الجو التركي على قواعد حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل عند نقطة تلاقي الحدود العراقية-التركية-الإيرانية سوف تكون في المرة القادمة على أهداف عسكرية سورية إن لم يبادر الرئيس بشار الأسد وبسرعة لوقف هذه اللعبة الخطيرة التي بإمكانه أن يلعب مثلها مع لبنان من خلال حزب الله وليس مع دولة موحدة ومعتدَّةٍ بنفسها وتملك واحداً من أهم جيوش دول العالم وأقواها.هناك معلومات تم تداولها على نطاق محدود، بعد أن بدأت تركيا تُغيَّر موقفها إزاء ما يجري في سوريا، تحدثت عن أن النظام السوري، رداً على هذا الموقف التركي المستجد، قد أبلغ قيادة هذا الحزب المشار إليه ،الذي بعد طرده من سوريا في عام 1998 وإغلاق قواعده ومكاتبه انتقل إلى جبال منطقة مثلث تلاقي الحدود التركية - العراقية - الإيرانية، بأنه مرحبٌ بها وبحزبها مرة أخرى على الأراضي السورية وأنه بإمكانها العودة إلى قواعدها السابقة وبإمكانها استعادة مكاتبهـا القديمة في دمشق.إن التقديرات المبنية على حسابات «عقلانية» كانت تشير إلى أن الرئيس بشار الأسد ربما يلجأ إلى هزَّ هذه العصا أمام أنف رجب طيب اردوغان لكنه لن يستخدمها وذلك لأن احتضان حزب العمال الكردستاني التركي مرة أخرى واستخدامه لابتزاز تركيا وحملها على أن تلوذ بالصمت إزاء ما يجري في سوريا من مذابح سيواجَه برَدَّ فعلٍ حازم وحاسم وسيصل حتماً إلى استخدام القوة العسكرية.في عام 1998 كان رد تركيا على عمليات حزب العمال الكردستاني ،وكان عبد الله أوجلان يومها لا يزال «مستضافاً» في دمشق، بمثابة إنذارٍ عسكري حازم بأنه إن لم توقف سوريا تلاعبها بالأمن التركي وإن هي لم تغلق قواعد هذا الحزب على الأراضي السورية وفي وادي البقاع على الأراضي اللبنانية وتطرد قادته فإنه على الرئيس السوري أن يتوقع وصول الدبابات التركية وخلال ساعات إلى مدينة درعا على الحدود السورية-الأردنية والمعروف أن استجابة الرئيس السابق حافظ الأسد على هذا الإنذار كانت فورية وبلا أي تأخير.ربما أن اردوغان وزملاؤه قد يتساهلون في أي أمر آخر ما عدا هذا الأمر الذي يمس جوهر الأمن الوطني لبلادهم وبخاصة ،وهذا يجب أن تفهمه القيادة السورية جيداً، وأن تنحية كبار جنرالات الجيش التركي ،الذين كانوا يعتبرون أنفسهم استمراراً لمصطفى كمال «أتاتورك» وأنهم ضمان حماية تركيا وهيبتها من أي استهداف خارجي أو داخلي، قد تمت قبل أيام قليلة فقط بقرار شجاع وصل حتى حدود التهور اتخذه رئيس الوزراء بعد فوز حزبه ،حزب العدالة والتنمية، فوزاً كاسحاً في الانتخابات الأخيرة.
أخر كلام
إنها لعبة خطرة!!
20-08-2011