ما قل ودل: الرقابة القضائية على مرسوم الحل وحديث عن تجرد القضاة ونزاهتهم

نشر في 08-01-2012
آخر تحديث 08-01-2012 | 00:01
No Image Caption
 المستشار شفيق إمام في دراسة لي تحت عنوان "مرسوم حل مجلس الأمة صحيح دستورياً" نشرت على صفحات "الجريدة" يوم الأحد 18/12/2011، استأنفتها يوم الأحد 25/12/2011 تحت عنوان "المطالبة بإعادة حل مجلس الأمة لا تخرجنا من حفرة بل توقعنا في جليب"، رداً على من يطالبون بسحب مرسوم الحل وإصدار مرسوم جديد بإعادة حل مجلس الأمة، على زعم- أثبتنا عدم صحته في هذه الدراسة- هو الزعم بأن مرسوم حل مجلس الأمة يشوبه عيب عدم الدستورية، وكنت قد أرجأت في هذه الدراسة تناول موضوع الرقابة القضائية على مرسوم الحل، وهو أحد الموضوعات السبعة التي تناولتها في هذه الدراسة، وإن كنت قد طرحت رأيي في استهلال هذه الدراسة، والمنشور على الصفحة الأولى من عدد "الجريدة" الصادر في 18/12/2011، وهو الرأي الذي قلت فيه بالحرف الواحد ما يلي:

• القرارات التي تصدر من صاحب السمو في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وعلى رأس هذه القرارات حل مجلس الأمة لا تخضع أصلاً لرقابة القضاء، إعمالاً للمادة (3) من قانون تنظيم القضاء.

"الإدارية" تحكم بعدم اختصاصها ولائياً:

وكنت على موعد مع القارئ العزيز لتناول هذا الموضوع تفصيلاً يوم الأحد الماضي، وهو الموعد المحدد لمقالاتي الأسبوعية على صفحات "الجريدة"، إلا أن احتجابها مع غيرها من الصحف في هذا اليوم، وحجز الدعوى الإدارية المرفوعة بطلب إلغاء مرسوم حل مجلس الأمة، أمام الدائرة الإدارية من نائب سابق بمجلس الأمة للنطق بالحكم يوم الأربعاء الماضي، جعلني أجاهد النفس على انتظار صدور حكم من هذه المحكمة، ولو في الطلب المستعجل المطروح أمامها بوقف تنفيذ مرسوم الحل مؤقتاً حتى يحكم بإلغائه. وهو الحكم الذي أصدرته المحكمة- كما توقعت- بعدم اختصاصها ولائياً على سند من المادة (3) من قانون تنظيم القضاء التي تحظر على المحاكم النظر في أعمال السيادة.

الدعوة إلى "تكويت" القضاء:

وهي دعوة نتمنى أن تتهيأ ظروف الكويت لتحقيقها، فالقضاء هو أحد مظاهر سيادة الدولة، والسلطة القضائية هي إحدى السلطات الثلاث في الدولة، إلا أن المطالبة بالإسراع في "تكويت" الوظائف في إحدى المقالات التي تبنت الرأي بعدم دستورية مرسوم الحل، للإيحاء بعدم الاطمئنان إلى القضاة الوافدين الذين تضمهم المحكمة الإدارية التي يرأسها أحد القضاة الكويتيين التي ستنظر الدعوى بإلغاء مرسوم الحل، هو أمر يحتاج إلى وقفة، والإجماع على تجرد القضاء في الكويت ونزاهته، وأن القضاء هو الميزان الذي يحقق العدل ويعطي كل ذي حق حقه، ولذلك فلا يجوز استباق أي حكم في دعوى مطروحة أمام المحاكم بإطلاق هذه الدعوة.

وأعتقد أن من واجبنا جميعاً، مواطنين ووافدين، أن نتصدى لهذا الأمر، خصوصاً أنه لم يسلم من دعوة التشكيك في أحكام القضاء، القضاة الكويتيين أنفسهم، غداة إصدار المحكمة الدستورية قرارها بتفسير المواد من الدستور، وهي أعلى محكمة في البلاد، وتشكل من الكويتيين وحدهم وفقاً لقانون إنشائها.

القضاة المصريون يلغون أمراً ملكياً بحل المجلس التشريعي في ليبيا

وقد استعدت في ذاكرتي في هذا السياق الحكم الذي أصدره قضاة مصريون في ليبيا في إحدى القضايا الشهيرة، في هذا النطاق، القضية التي أقامها رئيس المجلس التشريعي لولاية طرابلس بليبيا طعناً بإلغاء الأمر الملكي الصادر في 19 يناير سنة 1954 بحل المجلس التشريعي للولاية، لخلوه من توقيع رئيس الوزراء، وكان الطعن أمام المحكمة الدستورية في ليبيا، التي كانت تعتبر أول دولة عربية تأخذ بنظام المحاكم الدستورية في دستورها الصادر عام 1951، في ظل النظام الاتحادي الذي كان قائماً في ذلك الوقت، وكان أول حكم تصدره المحكمة هو الحكم الصادر في هذا الطعن والذي صدر في 5 أبريل سنة 1954 قاضياً ببطلان الأمر الملكي الصادر بحل المجلس التشريعي لولاية طرابلس، وقد أدى صدور هذا الحكم إلى أزمة سياسية استقالت في أعقابها الوزارة.

نصف الناس أعداء القاضي إن عدل

وكانت المحكمة التي أصدرت الحكم في ليبيا في ذلك الوقت مشكلة من قضاة مصريين وبرئاسة المستشار المصري المرحوم علي علي منصور.

فقد اجتاز هذا القاضي العظيم كغيره من القضاة العظام الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم، ولا تصدهم عن الصدق خشية ظالم، أو حرص على منصب، اجتاز هذا القاضي بشجاعة وجسارة حاجز الخوف من ملك بلد هو وافد عليه.

وليت الفقيه الكبير طالب بتوفير الضمانات للقضاة الوافدين، كزملائهم الكويتيين بما يمتنع معه إنهاء عقودهم بعد ثبوت صلاحيتهم في السنة الأولى، طيلة المدة التي تسمح قوانين بلادهم ببقائهم خلالها.

ومع ذلك فإن خير ضمانات القاضي، كما يقول وزير عدل أسبق في مصر هو المرحوم محمد صبري أبو علم، "هي تلك التي يستمدها من قرار نفسه، وخير حصن يلجأ إليه، هو ضميره، فقبل أن تفتش عن ضمانات القاضي، فتش عن الرجل تحت وسام الدولة، فلن يصنع الوسام منه قاضياً، إن لم يكن له بين جنبيه نفس القاضي، وعزة القاضي، وكرامة القاضي، وغضبة القاضي لسلطانه واستقلاله.

هذه الحصانة الذاتية، هذه العصمة النفسية هي أساس استقلال القضاء، لا تخلقها نصوص، ولا تقررها قوانين، إنما تقرر القوانين الضمانات التي تؤكد هذا الحق وتعززه، وتسد كل ثغرة قد ينفذ منها السوء إلى استقلال القضاء، هي ضمانات وضعية تقف بجانب الحصانة الثانية سداً في وجه كل عدوان، وضد كل انتهاك لحرمة استقلال القضاء، بل إن شئت فهي السلاح بيد القوي الأمين، يذود به عن استقلاله ويحمي حماه".

وهي الكلمات والعبارات البليغة التي رددتها المذكرة التفسيرية للقانون رقم (10) لسنة 1996، بتعديل القانون رقم (23) لسنة 1990 بتنظيم القضاء.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top