Ad

لعبة الديمقراطية الكويتية المعلولة والمغلولة يمكن تشبيهها بلعبة المتاهات التي نضيع وسط جدران ممراتها في محاولة للبحث عن مخرج، إلا أننا في كل مرة نجد أنفسنا في نفس المكان نرتطم بالحائط المسدود، ولا مناص اليوم من الاعتراف بأننا لن نتمكن من الوصول إلى بوابة الخروج والنجاة إلا بالتحول إلى الملكية الدستورية التي طالب بها البعض، كما دعا إليها صراحةً النائب عبدالرحمن العنجري في قوله: «إن الكويت لن يكون أمامها خيار مستقبلي إلا أن تتحول إلى ملكية دستورية، للخروج من المعضلة السياسية التي نعانيها، ولنحفظ الكويت من تداعيات الصراع الدائر».

يعلمنا التاريخ أن المجتمعات التي لا تتطور ولا تتغير هي مجتمعات تحكم على نفسها بالزوال، فالعبث كل العبث ألا نعمل وفق حتمية التطور الطبيعي، والهدر كل الهدر أن نسعى إلى ترميم البنيان المتهالك دون بناء الأساسات القوية المحصّنة ضد الهزات والزلازل.

وما خلاف الأسرة الحاكمة اليوم الذي انتقل تنافسه الشرس علناً إلى الساحة السياسية إلا وجه من وجوه ذلك التدمير الذاتي، فاستقطاب أقطاب الأسرة للتحالفات وشراء الولاءات على حساب التنمية والمصلحة العامة، هو أحد الأسباب الرئيسية لوصول الأزمة السياسية إلى ذروتها، وهو سبب النتيجة الحتمية لاستشراء الفساد، وانحدار أخلاقيات العمل السياسي، وظهور الدويلات داخل الدولة، وتعطل التنمية، والعجز في إدارة البلاد.

إن استفحال معارك التنافس على الحكم هو نتاج اعتلال واختلال النظام السياسي وتشوهه. فكيف يقر الدستور بأن «الأمة مصدر السلطات جميعاً» بينما على أرض الواقع لا تداول لسلطة رئيس الوزراء ولا قوة حقيقية للشعب لتغييره، فضلاً عن احتكار الوزارات السيادية ومشاركة الحكومة بكل ثقلها في مهام السلطة التشريعية، بحيث أصبح ثلث أعضاء مجلس الأمة من الوزراء «غير المنتخَبين»، الأمر الذي ضاعف تمدد سلطة الحكومة على سلطة مجلس الأمة، وعظّم نفوذها وسيطرتها عليه، والتي تجسدت أخيراً في سلب حقه الرقابي وتهميشه عبر إحالة الاستجوابات إلى المحكمة الدستورية أو اللجنة التشريعية. إذن هناك تعطيل كذلك لنص المادة (50) التي تقر بفصل السلطات (الضامن الرئيسي للنظام الديمقراطي)، والذي يعزز مبدأ التوازن والتعاون بين الحكومة والبرلمان في الديمقراطيات الحقيقية. فحكوماتنا التي لا تتشكل من أغلبية نيابية لا تجد وسيلة لكسب الأغلبية إلا بشراء الولاء السياسي عبر الترضيات والخدمات والاستثناءات والمميزات والتعيينات السياسية على حساب الكفاءة والتنمية والمستقبل.

إن المطالبة بملكية دستورية هي مطالبة مشروعة لتصبح الأمة صدقاً وحقاً مصدراً للسلطات، عبر المشاركة الفاعلة والحقيقية لتشكيل حكومة الأغلبية النيابية، بحيث تُقيد سلطاتها بمواد الدستور من خلال مراقبة الآليات الدستورية على دستورية القوانين التي تشرع، على ألا يعدل الدستور كما يقر «إلا لمزيد من الحريات»، كما تخضع الحكومة لمساءلة مجلس الأمة وأن تحاسب بفعالية وشفافية (بدون حساسية خدش «هيبة» أقطاب الأسرة الحاكمة) حتى لو استُجوِب رئيس الوزراء مرة كل أسبوع كما يحدث في بريطانيا. فمن أراد أن يعمل في الشأن العام فعليه أن يتقبل النقد والمحاسبة.

في الملكية الدستورية سيبقى النظام الوراثي الذي اختاره الشعب ورضي به منذ القدم ضامناً لاستقرار البلاد ومصدراً لشرعيته. فهل نتجاوز الانسداد السياسي لديمقراطية «الطريق المسدود» و«الارتطام بالحائط» لنخرج من مرحلة العجز واليأس إلى مرحلة التمكين والاقتدار والانطلاق إلى المستقبل؟