الاتزان السياسي يعني الموازنة بين الاندفاع غير المدروس خلف أمر لم تتبيّن عواقبه وبين الإحجام والتردد عن أمر لا يمكن تأخيره ولا تأجيله، فالمتزن سياسياً هو الذي يقيس عواقب الأمور، ويضحي بالمصلحة الآنية في سبيل مصلحة أكبر ومنفعة أعظم قد لا يراها كثير من المندفعين والمتحمسين، الذين تسيّرهم في غالب الأحيان عواطفهم وصرخات الجماهير حولهم، فلا يرون إلا الثمرة التي بدأت تظهر أمامهم فيسارعون إلى قطفها قبل أن تنضج.
والسياسي المتزن في هذه الأيام يعتبر سلعة نادرة، فقد طغى المتعجلون على الساحة وأصبحوا موضة هذا العهد وطراز هذا الوقت، وأصبح هذا الصنف هو المرغوب عند عامة الناس، فتسارع المرشحون باستخدام أعلى نبرات أصواتهم، وبدأوا يتنافسون في الوصول إلى أعلى سقف للطلبات، وأبعد مدى للتهديدات، فالكل يريد أن يصل إلى الصف الأول كي يحظى بتصفيق أكثر وتصفير أطول، وهؤلاء إن وصلوا سريعاًً فسيخرجون سريعاً، ولن يذكرهم التاريخ إلا بقدرتهم على التأزيم والتحريض والهدم والتعطيل، وشتان بين التوازن والاختلال.أما المترددون فهم أناس لا يستطيعون أن يعلوا بناءً ولا أن يصلحوا اعوجاجاً، وجلوسهم في بيوتهم أفضل من خروجهم، فهم ليسوا أصحاب قرار، ولا فرسان ميدان، ووجودهم في المشهد السياسي يقلل من شأنه ويشوّه صورته، ويعطل أعماله.أما المتوازنون فهم أصحاب المرحلة بل وكل مرحلة، هم الذين تنهض البلدان بهم، ويتحقق الإصلاح بمواقفهم، يُعينون على الحق، ويسعون إلى منع الباطل، متأنّون دائماً في أحكامهم، متوافقون مع مبادئهم، صامدون أمام الإغراءات، ثابتون أمام التحديات، لا تهزهم عواصف المرجفين، ولا تمنعهم عن أداء واجباتهم تهديدات المنتقدين، يراقبون الله في كل عمل، وفي كل رأي، متجردون عن كل مصلحة خاصة، ساعون في كل مصلحة عامة، تعرفهم بصدق الموقف، ونظافة اليد، وحسن الخلق، ورقي الألفاظ، تاريخهم ناصع البياض وقلوبهم تفيض بالمحبة، إنهم الاختيار الصائب، والسلعة الرابحة، والتجارة العامرة، والأمل الصادق، فعليكم بهم، ابحثوا عنهم في كل دائرة من الدوائر الانتخابية، ولا تمنعكم عن اختيارهم عصبية جاهلية، ولا منفعة دنيوية، ولا طائفية بغيضة، ولا حزبية ضيقة، إنها أمانة فلا تفرطوا فيها.
مقالات
كلمة راس: ابحثوا عنهم
25-01-2012