يعود موضوع الاختلاط إلى ساحة النقاش مرة أخرى بعد أن ظهرت مساوئ تطبيق قانون منع الطلبة من الاختلاط في مواقع الدراسة، ومع أننا كلنا نعرف أن القانون لم يطبق تطبيقاً كاملاً بإرادة كل الطلاب والطالبات ولأسباب موضوعية وعملية واضحة، فإنه ما إن انكشف المستور، وبانت عيوب القانون وأثره في مجمل العملية الدراسية، حتى انبرت أصوات الإسلاميين تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور؛ لا لشيء إلا العناد أمام موقف يدرون أنه خطأ لكنهم لا يريدون الاعتراف به حتى لا يقال لهم أخطأتم بحق الطلبة وحق العملية الدراسية وحق الدولة عموماً.
كلنا نعرف أن الاختلاط في مجتمعنا موجود منذ نشأته، وأن الطلاب والطالبات والجامعيين بالذات كانوا يدرسون على نفس المقاعد في مصر والدول الأخرى، وفي الكويت قبل أن تتولى جماعة النهي مهمة تأديب الشعب الكويتي وإعادته عشرات السنين إلى الوراء،كنا نلتقي في مقر الاتحاد الوطني لطلبة الكويت في القاهرة طالبات وطلابا في الندوات والحفلات والانتخابات والرحلات في منتهى الاحترام والمحبة، والحرص على سمعة بعضنا بعضا، وكنا إخوة وأخوات لا تسمع منهم كلمة نابية ولا أي تصرف مخل، والجميع يتذكرون الأسلوب الأخوي الراقي في التعامل، ولم نكن بحاجة إلى شيخ ليعلمنا كيف نجتمع وكيف نتصرف.وحين نقلنا مقر الاتحاد إلى الكويت كان هناك تساؤل: هل ترفض الطالبات أو الطلاب اتحاداً موحداً في الكويت؟ فأجرينا استفتاءً بين طلاب وطالبات جامعة الكويت كانت نتيجته أكثر من 90% للاتحاد المختلط. لكن الزمان دار واستلم «الإخوان» الاتحاد فقلبوا كل شيء وقرروا أن الاختلاط بدعة يؤدي إلى الفسق والفجور، وكأن الآباء والأمهات لم يعرفوا الإسلام إلا بعد أن استلم «الإخوان» مقاليده، وأنهم بحاجة إلى من يوجههم ويوجه أبناءهم إلى هذا الدين الجديد.لا أريد أن أستفيض في حالة الاكتئاب التي أوصلونا إليها بتزمتهم وتدخلهم في حياتنا، لكني على يقين أنهم مثلنا يغادرون الكويت في كل إجازة أو عطلة للبحث عن المرح في بلاد لا تزمت فيها ولا حجاب، ما يجعل مئات الملايين تصرف خارج الكويت ليس بسبب حرها أو غبارها، إنما لحاجة البشر الطبيعية إلى الترويح عن النفس والعتق من الضيق والتزمت.إنهم يعاندون ليس عن اقتناع، فهم يدركون أن الأبناء والبنات يختلطون على كل مستوى غير مقاعد الدراسة، وأن الأسلم لو اجتمعوا في صرح العلم مع أساتذتهم وفي العلن والمشاركة في تنمية أنفسهم بدون ضغط أو عقد بدلاً من أن يلتقوا عبر الإنترنت والفضائيات والتلفونات المرئية في ظل هذه الضغوط.إن ترك الأبناء لسرقة وقت للحديث مع الطرف الآخر بوجود هذه العقد قد تنتج عنه المخاطر التي تخوف منها دعاة المنع والزجر والنهي، وإن «الإخوان» و«السلف» وكل المتعصبين من القوى الإسلامية الأخرى لابد أن يدركوا المخاطر التي تنتج عن هذا التزمت، ولابد أن يكونوا قد درسوا ووجدوا الأضرار الناتجة عن موقفهم هذا، وما داموا يفخرون بالتجربة التركية وانفتاحها على الغرب، فلِمَ لا يزول خوفهم هنا ويعيدون النظر في موقفهم من الاختلاط؟خير أن تعترفوا بالفشل على أن يستمر وضع نهايته مرّة وخطرة علينا وعليكم وعلى بلدنا.
مقالات
العناد سيد الموقف
01-08-2011