قصة تكررت في كثير من كتب الإدارة وتطوير الذات تقول إنه في بداية الستينيات ومع السعي الحثيث لوكالة أبحاث الفضاء الأميركية "ناسا" في سبيل إيصال أول إنسان إلى القمر قبل الاتحاد السوفياتي الذي سبق الأميركيين في إرسال رجل حول مدار الأرض آنذاك، وفي زيارة للرئيس الراحل جون كينيدي إلى ناسا التقى برجل منهمك في تنظيف الأرضيات فسأله عن عمله.
تقول القصة إن الكنّاس وبدلاً من أن يقول: عامل تنظيف مثلا، أجاب كينيدي بأنه يعمل في المساهمة بإرسال أول إنسان إلى القمر!هذه الحكاية التي تستخدم وبكثرة في محاضرات فرق العمل وتحفيز الموظفين وما شابه، وبعيدا عما إذا كانت حقيقية أو خيالية، تحمل رسالة مهمة يجهلها أو لا ينتبه إليها الكثير ممن هم من حولنا في العمل، سواء من الرؤساء أو المرؤوسين على حد سواء.الرسالة هي أن كل فرد في العمل، أي عمل، ومهما صغر دوره، أي حتى لو كان كناسا أو عاملا لإعداد الشاي والقهوة، فهو مساهم ولو من بعيد في دفع المسيرة الكلية لهذا العمل، وهذا الأمر، ما لم يكن واضحا في ذهن المرؤوس وواضحا ومعتبرا، قبل ذلك، في ذهن الرئيس فإن الإنتاجية والنجاح سيتضرران في نهاية المطاف، والسبب هو أنه إن لم يدرك المرؤوس أهمية دوره ومكانته في منظومة العمل، فإن هذا سينعكس سلبا على مقدار عطائه والتزامه، كما أنه وفي الجانب المقابل فإذا لم يدرك الرئيس أهمية ودور كل عضو في منظومته، فإنه لن يوفيهم حقهم من التقدير ماديا ومعنويا، وبالتالي سيخسر جهودهم ومشاركتهم الفعلية.العمل بروح الفريق، هو أساس الأساسات التي يقوم عليها كل عمل، وعندما يعتقد الرئيس أن بإمكانه أن ينفرد أو يكتفي بمجموعة صغيرة لعمل ما يريد، فإنه وإن نجح مرحليا، سيخسر حتما تعاون وثقة وارتباط من معه في كل ما سيقدم عليه لاحقا عندما تتطور الأمور فتستدعي جهودهم.منذ سنوات، وفي عمل سابق لي، دعينا إلى اجتماع طارئ مع أحد القياديين، فتحدث طويلا عن أهمية العمل الجماعي والعطاء والإحساس بالمسؤولية بين الجميع وروح الفريق، يومها وبالرغم من حداثتي في ذلك المكان، أخبرته بأن هذه الأمور لا تنتقل للموظفين بمجرد الكلام، إنما هي ممارسة فعلية يجب أن تبدأ من قمة الهرم أي الرئيس مرورا بكل الموظفين انتهاء بأصغر واحد فيهم رجوعا إلى الرئيس، وما لم يشعر الجميع بأنهم أعضاء فريق واحد لا فرق بينهم إلا بالمهام والأدوار، فإنهم لن يتجاوبوا معه. بعدها بأشهر بسيطة رحلت عن ذلك المكان لفرصة عمل أفضل، والآن، وعلى الرغم من تقديري لجميع الأشخاص الذين كانوا في ذلك المكان على المستوى الشخصي، فإنني مازلت أحمل في ذاكرتي عنه كيف أنه كان مثالا لبيروقراطية صارخة وأبواب مغلقة ومركزية ومحسوبية وشللية لا مثيل لها، وأيضا وعلى الرغم من حرصي على عدم متابعة أخبار أماكن العمل التي أتركها من باب التركيز نفسيا وعقليا على ما بين يدي، فإنني علمت من الأصدقاء بأن الحال مازالت على ما كانت عليه إن لم تكن أسوأ!لكن، وللأسف، فإن هذا المكان ليس فريدا من نوعه، فأغلب الإدارات الحكومية، والشركات والمؤسسات المرتبطة بالحكومة، لا تعمل وفق نظم إدارية حديثة، وبعيدة كل البعد عن مبادئ العمل الجماعي واللامركزية، وسياسات الباب المفتوح، وغارقة حتى أذنيها في البيروقراطية والمحسوبية والنفعية وغياب الشفافية، لذلك لاعجب أن نجد مدير إدارة أو وكيلا مساعدا، لا يعرف ما هي الخطة الاستراتيجية لمنظومة عمله، وإن عرفها أو كاد فإنه لا يعرف دوره فيها، وربما لا يهمه أن يعرف.هذه المشاكل قد تبدو صعبة للغاية ونحن نصفها، لكنها في الحقيقة، خصوصا أننا تمكنا من تشخيصها، سهلة جدا أمام الحل، شريطة أن تتوافر الإرادة الحقيقية للإصلاح ومواجهة كل الصعوبات في سبيل ذلك، وهنا يبرز السؤال الأهم، هل هذه الإرادة متوافرة اليوم؟ إجابة هذا السؤال أتركها لكم.
مقالات
هل تتوافر الإرادة للإصلاح؟!
20-12-2011