اقطع نزاع القوم يا شيخ!
يجب أن يفهم الجميع خصوصاً من يرتمون في أحضان الحكومة اليوم أن شارع المعارضة لا يحكمه اليوم نواب أو قوى سياسية منظمة، ولا يملك هؤلاء ادعاء التفرد بمطالبات الإصلاح أو رحيل الحكومة، وهذا الشارع قد أصبح في عهدة الكويتيين جميعاً خصوصاً الفئات الشبابية المتحمسة.
لا أزعم علم الغيب، والعياذ بالله، ولكن بقراءة موضوعية ومجردة وبناءً على مسار الأحداث وجريانها على أرض الواقع أكاد أجزم بأن الحكومة برئيسها وجميع وزرائها المتمسكين بكراسيهم حتى الرمق الأخير قد خسروا الرهان، وانتهى عهدهم السياسي سواءً اختاروا أن تكون قاعة المجلس هي مكان المواجهة أو ساحة الإدارة والشارع الكويتي. ولا أعلم على وجه الدقة ما ستؤول إليه تداعيات ونتائج تجمع "أمس" الاثنين في ساحة الإرادة، ولكن أعتبر ذلك بداية محسومة لمنعطف جديد ستجني المعارضة الشبابية تحديداً ثمار انتصارات حقيقية في ظله.نعم شهدت السنوات القليلة الماضية خصوصا في أيام المجلس الحالي خلطاً للأوراق واتسمت بالعناد، وارتكبت أخطاءً وأقحمت الأدوات المشروعة وغير المشروعة في الصراع، ونفخت أبواق الطائفية والقبلية والفئوية من كل الأطراف للحشد والحشر المضاد، بل زج بالمقام السامي للقيادة السياسية للاستفادة الميدانية، ولكن كل هذه الأمور لم تغير من الواقع والمشهد السياسي شيئاً. والأغلبية الصامتة اليوم تعترف، وبكل وضوح، بفشل الحكومة حتى النخاع، وتفشّي كل صور الفساد في عهدها، ووصول هذا الفساد إلى من أوكلت إليهم الأمانة في التشريع والرقابة والمحاسبة، ومن هم ملاذ الشعب وصمام أمانه، ونفس هذه الأغلبية العريضة لا تخفي هواجس قلقها من تصرفات البعض في المعارضة وتصريحات بعض النواب الاستفزازية، وحشر أنوفهم في خصوصيات بعض شرائح المجتمع، وأفكارهم ومعتقداتهم وحرياتهم حتى الشخصية منها، وتعلن بشكل صريح خوفها من المستقبل، الأمر الذي يتطلب رؤية واضحة بأن هذا البلد للجميع، وأن الغد وفي ظل الإصلاح وإزاحة زمرة الفساد سيحتضن مبادئ الحرية والتعددية والشراكة في بناء البلد؛ ليس فقط كشعار أو أمنية، بل كمتطلب حتمي للاستقرار والوحدة الوطنية.هذه الهواجس بالتأكيد مشروعة وحتمية، ولكن يجب أن يفهم الجميع خصوصاً من يرتمون في أحضان الحكومة اليوم أن شارع المعارضة لا يحكمه اليوم نواب أو قوى سياسية منظمة، ولا يملك هؤلاء ادعاء التفرد بمطالبات الإصلاح أو رحيل الحكومة، وهذا الشارع قد أصبح في عهدة الكويتيين جميعاً خصوصاً الفئات الشبابية المتحمسة، وهم من يقودون الحراك، وما وجود الرموز السياسية في المقدمة إلا نتيجة طبيعية، ولم يجد الشباب فرصتهم للتحرك إلا من خلالهم، والطيف الذي يمثلونه اليوم هو طيف كويتي يجمع الحضر والقبائل والسنّة والشيعة والوطنيين والسلف والتجار و"الإخوان" وأهل الجهراء والفروانية والشامية والضاحية ومشرف وغيرها من عموم مناطق الكويت على حد سواء، فهل نقبل التهم بأن أهل الكويت، وبهذا التنوع والاختلاف الفكري والسياسي، وهذه الدماء الشابة التي تواجهها تعقيدات الحياة وتحديات التعليم والتوظيف والإسكان، وحتى التحذير ورفع شعارات الإصلاح ومكافحة الفساد التي تواجه بالهراوات والحبس، تريد أن تدمر البلد أو تطيح بالنظام؟!واليوم الكل يطالب بتسوية الأمور تحت قبة البرلمان، وفي مقدمة هذا الركب صاحب السمو الأمير، ولتكن كلمة السمع والطاعة اليوم الثلاثاء الموافق 29 نوفمبر، وليكن سمو رئيس الوزراء أول من يلبي هذا النداء، ويعتلي المنصة كما فعل في المرات السابقة ليواجه محاور الاستجواب؛ فإما أن يفندها ويكسب ثقة المجلس وإما أن يخفق ويواجه مسؤولياته، وفي جلسة تاريخية وعلنية يحكم عليها أهل الكويت بكل شرائحهم ومواقفهم السياسية كموالاة ومعارضة والأغلبية الصامتة، وليتوحد جمهور ساحة الإرادة في يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين في مشهد واحد، فتوكل على الله يا شيخ واقطع نزاع القوم إما بالاستقالة وإما بالمواجهة.