المرشح المناسب لهذه المرحلة... من هو؟
من هو المرشح الذي يستحق أن يصوت له الناخبون؟ هذا السؤال طُرح علي منذ أيام في برنامج "الكلام الحر"، الذي تقدمه قناة "اليوم"، وأذكر أني أجبت حينها مباشرة بأنه سؤال المليون دينار، لكنني أضفت أنه وعلى الرغم من أهمية السؤال وكثرة تكراره هذه الأيام، فإن إجابته ليست بالسهلة أبداً.من المنطقي أن يطرح الكثير من الناس هذا السؤال، فهم يريدون طريقة سهلة سريعة يكشفون بها عن "جودة" المرشحين، في ظل وجود العشرات من هؤلاء في كل دائرة انتخابية، وفي ظل أن أغلب، وربما كل واحد من هؤلاء المرشحين يقول إن "الزين" عندي، ولا يتردد في أن ينثر الوعود بتحقيق الأحلام، على الناخبين ذات اليمين وذات الشمال، ومن خلفهم ومن بين أيديهم، سواء على مستوى الملفات السياسية أو الاقتصادية أو التنموية، بل وأبعد من ذلك بكثير، حتى سمعت بأن الحال قد وصل بأحد "الظرفاء" منهم- وما أكثر هؤلاء ومن هم دون ذلك- إلى أن يعد بأن من أهدافه تثبيت سعر برميل النفط الكويتي عالمياً، وأرجو ألا يكون ذلك صحيحاً!
اختيار المرشح لا يجب أن يستند إلى معايير الصلاح والكفاءة الظاهرية الأساسية فحسب، على أهمية هذه المعايير طبعاً، وأعني بذلك حسن الخلق والمنطق وطيب السيرة بين الناس، بل يجب أيضاً أن يتعداه إلى أمور أكبر من ذلك، فهذه المعايير وحدها ليست بكافية أبداً لجعل المرشح قادراً على مواجهة القضايا المختلفة والملفات الصعبة التي ستواجهه برلمانياً في كل شؤون الدولة.نتفق جميعاً على أنه لا يمكن أن يوجد مرشح ملم بكل شيء، في السياسة والاقتصاد وأمور التنمية من صحة وتعليم وإسكان ورياضة وغيرها، وأن من يدعي بأنه لديه رؤية واضحة ومتكاملة في كل هذا، ما هو إلا مهرج ونصاب كبير، لكن في المقابل، من الأساسي أن يكون لدى المرشح ملف أو اثنان أو ربما ثلاثة على أبعد تقدير، يدرك أبعادها تماماً ويعرف على وجه الدقة ماذا يريد أن ينجز على صعيدها، لذلك، ولنضع هذا معيارا أوليا للاختيار، المرشح الذي يدعي بأن لديه رؤى وحلولاً لكل شيء ليس سوى مخادع لا يصلح للترشح، والمرشح الذي ليست عنده رؤية عن أي ملف من الملفات الأساسية المهمة، فارغ سطحي ولا يصلح للترشح أيضاً. المعيار الثاني، ويأتي في الأهمية ربما قبل سابقه، هو إدراك حساسية وجسامة واختلاف المرحلة الحالية من عمر الكويت. المرشح الذي يستمر في اجترار ذات الطروحات التقليدية المستهلكة، ولا يظهر من كلامه أنه يدرك أن الواقع السياسي والاقتصادي قد تغير إقليمياً وعالياً وأن هناك تحديات عاتية مقبلة تهدد وجود الدولة بأسرها كتوقف الاعتماد على مصدر رزقها الوحيد خلال سنوات بسيطة وأعني النفط، وبالتالي فهو غير قادر على تقديم شيء لمواكبة مثل هذا المستقبل الصعب، وليس من رجال المرحلة قطعاً، ولا يستحق التصويت كذلك.وأما المعيار الثالث، فالمرشح الذي يعتقد أنه قادر على العمل منفرداً في البرلمان، ومهما كان جيداً في الظاهر، لا يصلح أن يصل إلى البرلمان، فالعمل البرلماني يقوم على الفكرة الجماعية في فلسفته الأساسية، ومن يظن أنه قادر على التصدي لتلك الأعباء الجسيمة وحده، بالإضافة إلى استمرار قيامه بدور "عضو الخدمات" في الوقت نفسه، لن يكون مفيداً حقاً. القيمة الجوهرية في العمل البرلماني ليست مجرد صوت "يتم توجيهه" عند التصويت على القضايا المختلفة، من استجوابات ومشاريع قوانين وغيرها، وإنما هي، وقبل كل شيء، عمل وإنجاز تشريعي في لجان المجلس، ولذا فمَن لا يجيد العمل كعضو في فريق فاعل للقيام بهذا، فلا فائدة منه، بل سيكون حجر عثرة في سبيل الإنجاز البرلماني وحمولة زائدة يجب عدم إيصالها للبرلمان.هذه المعايير الثلاثة، هي الأهم في قناعتي، في هذه المرحلة، بالإضافة طبعاً إلى معايير الصلاح والكفاءة الأساسية التي ذكرتها في أول المقال. ولعل بعضكم قد يراها صعبة بعض الشيء، ولكنني لا أراها كذلك، وهي المعايير التي أستند عليها في اختياراتي.بلادي اليوم كسفينة في بحر مغرق صعب، وما كنت لأخاطر بأن أضع خلف دفة القيادة التشريعية من ليس كفؤا لها، ومن يفعل ذلك، عبر التكاسل عن البحث عن الأكفاء، أو عبر اختيار مَن يوجد أفضل منه، أو عبر حجب الصوت عمّن يعلم أن فيه الكفاءة، وذلك لاعتبارات فئوية أو انتخابية أو غير ذلك، فقد خان بلاده وشعبه. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.