إعادة ضبط العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي

نشر في 14-06-2011
آخر تحديث 14-06-2011 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت في هذه الأوقات العصيبة التي لا يمكن التكهن بأحداثها ولكنها على الرغم من ذلك عامرة بالأمل، يحتاج العالم إلى العمل المشترك بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وهذا لا يعني تدبير اللقاءات والاجتماعات من حين إلى آخر لاتخاذ القرار فيما يتصل بكيفية التعامل مع مشكلة ما، بل يعني شيئاً أشد عمقاً وتحديدا؛ إنه يعني قبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي.

قبل خمسة أشهر فقط، كان أسامة بن لادن على قيد الحياة، وكان حسني مبارك لا يزال يفرض سيطرته الراسخة على مصر، وكان زين العابدين بن علي يحكم تونس بقبضة من حديد، واليوم، تجتاح الثورات الشعبية والتغيير السياسي أنحاء المنطقة المختلفة، ولقد شهدنا قمعاً وحشياً للاحتجاجات في سورية واليمن، وعبور القوات السعودية إلى البحرين، ومعركة لا تنتهي في ليبيا.

وإذا تحدثنا عن أوروبا، فإن «الربيع العربي» لا بد أن يدفعها إلى إعادة التركيز على قضية كانت إلى حد كبير ضحية للتجاهل طيلة الأشهر الأخيرة: الفوائد المترتبة على عضوية تركيا الكاملة في الاتحاد الأوروبي.

ففي ضوء الفرص الهائلة التي تتيحها الظروف الراهنة، لا بد أن تكون المزايا المترتبة على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أصبحت بالغة الوضوح بالنسبة إلى أوروبا.

والآن بعد انتخاب رجب طيب أردوغان لفترة أخرى رئيساً لوزراء تركيا، ومع تولي بولندا- الدولة التي تدرك تمام الإدراك أهمية أوروبا الاستراتيجية في العالم- لرئاسة الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية هذا الشهر، فإن الوقت بات مناسباً بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي وتركيا لإعادة ضبط المفاوضات بينهما بشأن عضوية تركيا.

إن الخير الذي قد تجلبه تركيا لأوروبا كان واضحاً حتى قبل «الربيع العربي»، والواقع أن أوروبا تتسم بالتنوع الثقافي بحكم التعريف، لذا فإن التنوع هو مصير الاتحاد الأوروبي، وإذا كان لأوروبا أن تتحول إلى لاعب عالمي فاعل، بدلاً من متحف، فإنها تحتاج إلى منظور جديد كما تحتاج إلى طاقة جديدة يمنحها إياها شعب تركيا.

لقد أصبحت أوروبا اليوم أكبر حجماً وأكثر اختلافاً مقارنة بأوروبا في عام 1999 حين تمت دعوة تركيا إلى البدء بعملية الانضمام. كما تشهد القارة الأوروبية أيضاً أزمة اقتصادية عميقة، وهي الأزمة التي اندلعت بالتزامن تقريباً مع الوقت الذي شهد أخيراً الموافقة على معاهدة لشبونة، التي كان الهدف منها استيعاب توسعة الاتحاد الأوروبي، ولو كانت الموافقة على المعاهدة تمت في عام 2005 كما كان مرتقباً، لكانت الآن أكملت عامها السادس، ولكانت الضغوط التي فرضتها الأزمة على الإدارة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي- المرئية بشكل واضح في المشاكل التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة- أقل حِدة.

ولكن الاتحاد الأوروبي يواجه المشاكل دوماً، وينجح في حلها، ثم يمضي إلى الأمام، فاليوم ليس لدينا وزارة خزانة، ولكننا على وشك أن نحظى بشيء مشابه، وعلى نحو مماثل، يتمتع البنك المركزي الأوروبي اليوم بصلاحيات لم يكن لأحد أن يتخيلها في عام 1997، على سبيل المثال.

وتشكل الهجرة أحد التحديات الكبرى التي يتعين على أوروبا أن تواجهها، فهي المشكلة التي ستتضخم حتماً مع الوقت، ففي غضون الفترة بين وقتنا الحاضر وعام 2050، ستتقلص قوة العمل في أوروبا بما يقرب من سبعين مليون شخص، والحفاظ على اقتصادنا يتطلب الهجرة وفتح أبواب الاتحاد الأوروبي، والتصدي بجرأة للحركات الشعوبية التي ترفض «الغرباء» في أوروبا.

لقد شهدت تركيا اليوم تغيرات كبرى منذ عام 1999، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، وهذا يرجع في جزء كبير منه إلى عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ففي غياب عامل الجذب المتمثل بالاتحاد الأوروبي- وقوته الناعمة- ما كانت مثل هذه التغيرات لتحدث.

فعلى الصعيد الاقتصادي، أصبحت تركيا الآن بين أعضاء مجموعة العشرين، وتلعب دوراً فعالاً هناك، وعلى الصعيد السياسي، برزت تركيا باعتبارها زعيمة إقليمية، وهو الدور الذي تأخذه على محمل الجد تماما.

واليوم، بعد الانتخابات البرلمانية التي انتهت للتو، والدستور الجديد الذي ينتظر الموافقة، تقترب تركيا من لحظة تاريخية. كنت عضواً في اللجنة الدستورية الإسبانية التي كتبت الدستور الإسباني في عامي 1975 و1976، في أعقاب وفاة فرانكو، لذا فإنني أعي تماماً ماذا يعني الانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية، وأدرك مدى أهمية صياغة الدستور بإجماع أطياف الشعب وشرائحه وفئاته كافة.

بدأت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا باتفاقية شراكة تم التوقيع عليها في عام 1963، والآن بدأت مفاوضات الانضمام، والآن بات من الواجب فتح 35 «فصلاً»: تغطي كل شيء من الزراعة إلى الطاقة، والمنافسة، والبيئة، وتشغيل العمالة، والسياسات الاجتماعية، وغير ذلك. ولقد فتحنا بالفعل 19 فصلاً، أقل مما كنا نود، ولكن المشكلة الحقيقية هي أننا لم نتم سوى فصل واحد من هذه الفصول، والأسوأ من ذلك أن سرعة المفاوضات تباطأت إلى حد كبير، بل إن شيئاً لم يحدث على الإطلاق في عام 2010، وإنني لأرجو أن يحدث تقدم ملموس في عام 2011 على مسار المفاوضات.

إن كلاً من تركيا والاتحاد الأوروبي يحتاج بعضهما إلى بعض، فالاتحاد الأوروبي اليوم يمثل 75% من الاستثمار الأجنبي في تركيا، وما يقرب من نصف صادراتها وسياحتها الداخلية، وعلى نحو مماثل يعتمد أمن الطاقة في أوروبا على التعاون مع تركيا التي يعبر على أراضيها النفط والغاز الطبيعي القادم إلى أوروبا من آسيا الوسطى والشرق الأوسط.

كما يحتاج كل منا إلى الآخر على المستوى السياسي أيضاً، وإن الجوار التركي هو جوارنا؛ والمشاكل التي تواجهها مشاكلنا أيضاً. ولا شك أن الفوائد الأمنية والمزايا الاستراتيجية التي ستعود على الاتحاد الأوروبي بحصول تركيا على العضوية الكاملة كثيرة، بداية بالعلاقة بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، الذي التحقت تركيا بعضويته منذ فترة طويلة.

وعلى نحو مماثل، ستصبح مشاركة الاتحاد الأوروبي في حل مشاكل اليوم في منطقة البحر الأبيض المتوسط أسهل كثيراً إذا تمت بالتنسيق مع تركيا، وفي البوسنة والهرسك يشكل التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا أهمية جوهرية في التوصل إلى حل دائم.

في عام 1999، لم تكن تركيا راغبة في الترشح للالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي، وذلك لأن قادتها تصوروا أن الشروط ستكون بالغة الصعوبة، ولقد كنت حاضراً في تلك الفترة؛ فتحدثت مع رئيس الوزراء بولنت أجاويد في منتصف الليل، ثم تحدثت مع الرئيس سليمان ديميريل، ثم بعد يومين كان أجاويد في هلسنكي لكي يعلن رسمياً رغبة تركيا في الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي، وآنذاك قلنا: «ستصبح تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي». ولقد أيدت التوقيع على تلك الوثيقة؛ وسأفعل الشيء نفسه اليوم.

في هذه الأوقات العصيبة التي لا يمكن التكهن بأحداثها ولكنها على الرغم من ذلك عامرة بالأمل، يحتاج العالم إلى العمل المشترك بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وهذا لا يعني تدبير اللقاءات والاجتماعات من حين إلى آخر لاتخاذ القرار فيما يتصل بكيفية التعامل مع مشكلة ما، بل يعني شيئاً أشد عمقاً وتحديدا؛ إنه يعني قبول تركيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهذا هو حلمي، وسأستمر في الكفاح حتى يتحول إلى حقيقة واقعة.

* خافيير سولانا | Javier Solana ، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن سابقا، والأمين العام الأسبق لمنظمة حلف شمال الأطلسي، وكبير زملاء السياسة الخارجية بمعهد بروكينجز، ورئيس مركز إيساد للاقتصاد العالمي والعلوم الجيوسياسية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة».

back to top