صرخة شباب غزة!
"تباً لحماس وتباً لإسرائيل وتباً لفتح وتباً لمنظمة الأمم المتحدة وللأونروا وتباً لأميركا... إننا نريد الحياة وقد سئمنا من إسرائيل ومن حماس ومن الاحتلال ومن اختراقات حقوق الإنسان المتواصلة ومن لا مبالاة المجتمع الدولي... نريد أن نصرخ، نريد أن نخترق جدار الصمت والظلم والكراهية، مثلما تخترق طائرات اف 16 جدار الصوت فوق رؤوسنا... نريد أن نصرخ بكل ما تحمله أرواحنا من قوة".هذا مقطع من بيان أصدره شباب قطاع غزة قبل عام, في الثامن والعشرين من ديسمبر 2010, ونشرته صحيفة ليبراسيون الفرنسية، وقد جاء هذا البيان, الذي ترجمته صحيفة الغد الأردنية، وأعادت نشره في الرابع من يناير 2011, ليعبر عما يعانيه أبناء هذا القطاع المحاصر، من البر والبحر والجو ومن الداخل والخارج، من اضطهاد وقمع ومن ضنك عيش وضنك في الحريات العامة، وعدم القدرة على إطلاق صرخات الوجع المحبوسة في الصدور.
الآن وقد مرَّ على هذه الصرخة، التي أطلقها شباب غزة باللغة الفرنسية، وعبر صحيفة فرنسية، عام كامل فإنه لم يتغير أي شيء، فالقطاع بقي محاصراً من البر والبحر والجو ومن الداخل والخارج أيضاً، و"حماس" بقيت "حماس" بقمعها وقوانينها البدائية وكم الأفواه والحديث عن المقاومة، وفي الوقت ذاته الحرص على اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، كالحرص على حدقات العيون، وكذلك فإن "فتح" بقيت "فتح" بترهلها وشيخوختها وصراع أجنحتها والاختباء وراء إنجازات سلام فياض، والقول فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر، وأيضاً فإن اختراقات حقوق الإنسان لاتزال متواصلة، وإن لا مبالاة المجتمع الدولي ثابتة ولم تتغير، وإن الصمت لايزال مطبقاً ومثله الظلم والكراهية... وكل هذا وشباب غزة مستمرون في الصراخ بكل ما تحمله أرواحهم من قوة. لقد مرَّ عام كامل ولا جديد في غزة، ولكن ربما أن ما أنعش الأمل في صدور أبنائها أن هذا العام الذي مضى قد شهد براعم الربيع العربي وشهد تغييرات واعدة في مصر وتونس وليبيا, التي وضعت أقدامها على بداية العودة إلى نفسها وإلى شعبها ولم تعد تلك الجماهيرية البائسة التي اخترعها القذافي ليضحك على نفسه وعلى ما كان يعتبره شعبه، وهو ليس كذلك، وعلى العرب والعجم والعالم بأسره, وأيضاً في تونس الخضراء، وكل هذا بينما العام المقبل الذي بات يقف على الأبواب سيشهد زهور ربيع سورية وربيع اليمن وربما ربيع فلسطين.ومن المؤكد أن شباب غزة الذين زاد عمر كل واحد منهم سنة جديدة قد شاهدوا قبل أيام لقاء الإخوة الأعداء في القاهرة، وكيف أن مهرجان العناق الذي أقاموه على أنغام ما كان يجري في ميدان التحرير، أظهر وكأنه لم يكن هناك انقلاب عسكري ألقي فيه أبناء "فتح" من فوق الأبراج العالية، وكأن كل هذا الذي جرى منذ عام 2007 كان مجرد تمثيلية تراجيدية أبطالها مازالوا أحياء، بينما ضحيتها كانت فلسطين والشعب الفلسطيني الذي لا يصدق هذا الذي رآه، إذ إن مياهاً كثيرة تشبه هذه المياه كانت قد مرَّت من تحت جسر المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية.في كل الأحوال هناك مثل يقول: "تفاءلوا بالخير تجدوه"، وحقيقة إنه لا خيار أمام الشعب الفلسطيني إلا أن يتفاءل وأن ينتظر مصالحة بقيت مسرحيتها تتنقل بين القاهرة ودمشق وبيروت، وبقي الممثلون فيها يوزعون الابتسامات المصطنعة على العالم كله، بينما كل واحد منهم يغرز رأس خنجره في خاصرة شقيقه وهو يحتضنه بقوة ويتبادل معه قبلات يقطر منها السم الزعاف... لكن ورغم كل هذا لابد من التفاؤل وعسى أن تتصافى القلوب وتقبل "حماس" الانضمام إلى منظمة التحرير لينتهي هذا الانقسام المأساوي، وتبدأ مسيرة جديدة، على أمل ألا يمر العام المقبل ويبقى كل شيء على ما هو عليه.