ما إن انتشر خبر حادثة القيادي بوزارة الداخلية مع الفتاة الشاكية حتى تسابق النواب للتعبير عن غضبهم ومطالبتهم بتنفيذ القانون على الجميع؛ محذرين في الوقت ذاته من أي تجاوزات أو تدخلات في سير التحقيق، حيث صرح النائب جمعان الحربش بأن "الوزير أمام استحقاق أخلاقي وسياسي خطير"، وبأنه "من الضروري أن يقوم بمحاسبة كل الأطراف التي تتدخل لحفظ القضية وحماية القيادي".

Ad

أما النائب فلاح الصواغ فقد حمل وزير الداخلية "مسؤولية التستر على القيادي الذي قبض عليه في قضية أخلاقية"؛ مستغربا "الفزعة التي انطلقت من أجل الإفراج عنه"، وأنه "من المؤلم وجود أشخاص ينتصرون للباطل ويضربون بالقانون عرض الحائط"، بينما حذر النائب مبارك الوعلان وزير الداخلية من الرضوخ لأي ضغوط خارجية لأنه "سيواجه بتصعيد من قبلنا"، أما النائب مسلم البراك فقد حذر وزارة الداخلية من أن "باب النجار مخلع"!

والأمر للوهلة الأولى يبدو مفرحا ومثلجا للصدر، فهذه الفزعة لتطبيق القانون ولنصرة المظلوم والقضاء على أي تجاوزات في سير التحقيق هو ما يتمناه ويأمله الجميع من نوابنا الأفاضل، غير أن ارتباط القيادي صاحب الحادثة بأحداث "ديوان الحربش" يكشف أن الأمر برمته لا يعدو أن يكون ثأرا شخصيا وفرصة للتشفي والشماتة من القيادي الذي أصدر أوامره بضرب النواب قبل ما يقرب من عام، وأنه لو كان أحد آخر من القيادات الأمنية قد قام بمثل ذلك الفعل لما وجد عُشر هذا التفاعل النيابي وهذه "الحمية" لتنفيذ القانون، خصوصا أن الكثير من النواب قد مارسوا على مدى سنوات "هوايتهم المحببة" في الذهاب إلى المخافر لتغيير سير التحقيق في الكثير من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة دون أن يرف لهم جفن أو تتحرك فيهم ذرة من ضمير!

لا يعني هذا بالطبع أننا ندافع عن هذا القيادي أو ننتصر له، لكننا نريد أن يكون للغضب النيابي على تجاوزات رجال الأمن منبعه ودافعه من المبادئ والقيم لا "الثارات الشخصية"، والمتابع لصفحات الحوادث في الصحف اليومية وما ينشره المحررون "دون قصد وبدافع خفة الدم" لتجاوزات بعض رجال الأمن مخجل، ويندى له الجبين، لكنه يمر مرور الكرام دون أن يعترض أحد عليه أو يثيره إعلاميا.

خذوا عندكم مثلا ما كتبه "حرفيا" أحد محرري صفحة الحوادث في واحدة من أكثر الصحف انتشارا قبل أيام حيث قال:

"بلغ الحد في "واحد سافل ومنحط وخسيس وكل شيء"!! وسبب كلامي هذا هو قيامه بارتكاب "فعل مشين" بحق مواطنة قصدت جمعية صباح السالم، فانتهى به المطاف في نظارة الحجز، تفاصيل القضية حصلت عندما توجهت المواطنة التي كانت برفقة والدها إلى جمعية صباح السالم لشراء حاجيات، فجلس والدها ينتظر بالسيارة، بينما سارعت هي إلى الجمعية، وأثناء مرورها في الطريق عند محل خياط تفاجأت بعامل في المحل يقوم بفعل مشين- نعفّ عن ذكره- تجاهها "طبعا البنت خافت" فسارعت وأبلغت والدها وهي في حالة فزع، فحضر معها مسرعا إلى المحل ليجد عامل الخياطة قد ولى الأدبار إلى جهة غير معلومة، وما إن بلغ الأمر مدير أمن مبارك الكبير العميد محمد طنا العنزي حتى أمر بضرورة ضبطه، وهذا ما حصل، إذ ألقى رجال الأمن القبض عليه مختبئا بالمنطقة، وما إن وطئت قدماه مخفر الشرطة حتى أخذ "واجب الضيافة"... و"بالعربي قزروها عليه الشرطة" وصدرت الأوامر بإحالته إلى جهة الاختصاص تمهيدا لإبعاده عن البلاد بعد أن يقضي عقوبته المستحقة عن فعله المشين".

هكذا إذن تسير الأمور في المخافر! "واجب الضيافة" و"بالعربي قزروها عليه"!! هذا الخبر الذي انتهكت فيه كرامة متهم لم تثبت عليه التهمة بعد لم يثر له أحد من النواب ولم يطالب أحد بتنفيذ القانون على "المقزرجية" أو على الأقل فتح تحقيق في الأمر، ولم يهدد أحد منهم الوزير بالمساءلة... لماذا؟! لأن جميع أطراف الحادثة لا علاقة لهم بحادثة "ديوان الحربش"، وليس بينهم وبين النواب "ثارات شخصية"، ولأن المتهم "هندي"... ضربه لا يضر ولا يزعج ضمير أحد!