إن دعوة جمعية المعلمين إلى الاعتصام وإن تطلب الأمر اللجوء إلى الإضراب قد جاء بالفعل كـ«ضربة معلّم»، وفي التوقيت المناسب وبزخم سيتعاطف معه الكثير، والأهم من ذلك كله باللغة الوحيدة التي تفهمها الحكومة وتحترمها!
كنت حتى جلسة افتتاح مجلس الأمة من المتحفظين على خيار الاعتصام والإضراب كوسيلة لإقرار كادر المعلمين، وقد أثنيت بالفعل على جمعية المعلمين في الندوة الأخيرة المقامة في مقرها بمنطقة الدسمة لتحليها بروح الصبر على مدى أشهر طويلة امتدت من بداية العام الدراسي الماضي حتى نهايته؛ رأفة بمصير مئات الآلاف من أبنائنا الطلبة على المراحل الدراسية المختلفة، وحرصاً على استمرار العملية التعليمية بانتظام، وعدم استغلال التوقيت القاتل أثناء الاختبارات النهائية التي كانت كفيلة بتركيع الحكومة أمام كادر المعلمين مبكراً جداً.ولكن موقف الحكومة في مستهل دور الانعقاد الجديد من قانون الكادر وإعلانها أولى خطوات المواجهة العملية لـ"فركشته" فعلاً تطيّر عقل الحليم! وتفرض خيار التصعيد الميداني كالاعتصام والإضراب فرضاً، وقد بينت تجارب الأسابيع القليلة الماضية أن الحكومة التي تكشر عن أنيابها في البداية وتعلن لغة القوة والمواجهة سرعان ما "تخق" وتستجيب مع أول اختبار للتحدي!والحكومة التي دفعت بوزيرها أحمد المليفي إلى "بوز" المدفع ستتركه وحيداً فريداً، هذا إذا لم تطعنه من الخلف، وفي تناقض واضح لمبدأ التضامن الوزاري الذي لم يعد له أي وجود في التشكيلة الحكومية الحالية، ففي الوقت الذي نجد أن زملاء المليفي كوزير المواصلات ووزير النفط ووزيرة التجارة يهرعون إلى ميادين اعتصام موظفيهم ويوقعون مذكرات التفاهم معهم أو يقرون كوادرهم خلال ساعات قليلة وبقرار من الخدمة المدنية، مثلما حصل مع الجمارك والشركات النفطية ومؤسسة الخطوط الكويتية والفتوى والتشريع، نجد الوزير أبا أنس يغرد وحيداً خارج هذا السرب، بل يزج به ليقاتل بمفرده وبشراسة ضد جيش المعلمين والمعلمات في ذات الوقت الذي لا تزال جبهته الأخرى مشتعلة مع فلول طلبة المرحلة الثانوية!والوزير المليفي يدرك تماماً من خلال خبرته البرلمانية الطويلة أن معركته الثالثة داخل مجلس الأمة محسومة سلفاً وبخسارة قد لا تشهدها أي معركة لوزير في البرلمان، ورغم المعزة الكبيرة التي أكنها لزميل الدرب، فقد وقع في خطأ جسيم عندما استند إلى اللائحة الداخلية لطلب التأجيل على التصويت لمدة أسبوعين، ذلك أن مرسوم رد قانون الكادر قد جاء برفض صريح له جملة وتفصيلاً وليس كاعتراض توفيقي يتضمن بعض التعديلات التي قد تتطلب مناقشتها في اللجنة البرلمانية المختصة لائحياً.وقد يكون السر في الموقف الحكومي الأخير هو إطلاق بالون اختبار لكسب المزيد من الوقت من أجل تقديم قانون بديل لكادر المعلم؛ عبر تكتيك مع بعض النواب للعودة إلى نقطة الصفر، ولعل مؤشر التصويت لبعض النواب المعارضين للكادر على فتح باب ما يستجد من أعمال كان في الحقيقة فتح باب قبر ما يستجد من أعمال لدفن الكادر على الأقل لمدة شهر آخر!ولذلك، فإن دعوة جمعية المعلمين إلى الاعتصام وإن تطلب الأمر اللجوء إلى الإضراب قد جاء بالفعل كـ"ضربة معلّم"، وفي التوقيت المناسب وبزخم سيتعاطف معه الكثير، والأهم من ذلك كله باللغة الوحيدة التي تفهمها الحكومة وتحترمها!
مقالات
ضربة معلّم !
28-10-2011