الضرب على أوتار الأخلاق والقيم والدين، عند نقاش أي موضوع هذه الأيام، لا يرن، وللأمانة، فلا أدري ما السبب في ذلك على وجه اليقين، ولا أريد في ذات الوقت أن أقتنع أن أخلاقيات الناس أو قيمهم أو معاييرهم الدينية قد اختلت إلى هذا الحد، ولم يعد لها أي اعتبار، ولهذا السبب فسيكون من قبيل إضاعة الجهد أن أتناول موضوع اليوم من أي من هذه الزوايا، وعوضاً عن ذلك سأحاول مقاربته بشكل موضوعي بحت.

Ad

لاحظت، في الفترة الأخيرة على وجه الخصوص، أن فئة كبيرة تلقي بلائمة كثير من مشاكل البلد على الوافدين، سواء العرب أو غيرهم، وكأنهم هم، وهم فقط، سبب التدهور الذي أصاب بلادنا أخيراً بشكل واضح في كل القطاعات!

هذا الموقف السلبي من فئة كبيرة، أو هكذا شعرت على الأقل عبر حواراتي ونقاشاتي في الإنترنت وغيرها، من الكويتيين تجاه الوافدين، انعكس على آرائهم تجاه كل المسائل التي تمس الوافدين، كموضوع الرواتب والزيادات وحقوق التعليم والعلاج والحصول على رخص القيادة والرسوم المفروضة، وغير ذلك.

بعض الكويتيين، ولموقفه الشديد من الوافدين، يعتنق آراءً حادة جداً تجاه هذه المسائل وكأنه يسعى إلى معاقبة الوافدين بشكل من الأشكال، أو ربما التضييق عليهم لدفعهم للخروج من البلد، بل وصلت الحال إلى أن البعض يريد ممارسة هذه الضغوط استناداً إلى أن الوافد لن يستطيع في كل الأحوال العودة إلى بلده لصعوبة الأوضاع هناك أصلاً، وأنه مضطر لقبول الأمر هنا كما هو!

كما قلت في البداية، لن أتناول الأمر من أي زاوية أخلاقية أو قيمية أو دينية، بالرغم من أنه يمس صميم ذلك، لكنني سأقول إن الوافدين، في نهاية المطاف، يصيرون جزءاً من المجتمع الذي يعيشون فيه، وأنهم ليسوا أبدا نسيجا واحدا متجانسا، بل هم ألوان وأشكال فيهم الحسن وفيهم السيئ، كحال الناس في المجتمع الذي يعيشون فيه.

هذا بدهي جدا، وكل مجتمع يرتقي أو ينحدر، وفقا لروح تطبيق القوانين واللوائح التي تسود فيه، ولو نظرنا إلى كل العالم من حولنا، لوجدنا أن المجتمعات الجيدة ترتقي بكل أهلها، من مواطنين ووافدين، والمجتمعات غير الجيدة تنحدر بكل أهلها كذلك، وبالتالي فإن أي سلبيات نجدها في الوافدين، ليست خاصة بكونهم من الوافدين، بل هي سلبيات عامة ناتجة عن تردي المجتمع عموما وتأثير الأمر فيهم كجزء منه.

هناك طبعا من سيردد المثل العامي الدارج "يا غريب كن أديب"، وسأقول إن هذا صحيح لو كانت الأمور موضوعة على مسطرة الأخلاق والقيم، لكننا اتفقنا من البداية ألا أحد صار يتداول المسائل بها، ولو أردناها كذلك، فهل ذاك الفساد والتردي الناتج عن تصرفات كثير من الكويتيين من الأخلاق والقيم في شيء؟ طبعا لا، لذا فلنترك هذه المسطرة جانبا، لأن الميل فيها كبير.

إن الحقيقة الصارخة التي يجب أن نذكر بها أنفسنا ككويتيين، هي أننا بحاجة حقيقية إلى هؤلاء الوافدين مهما حاولنا أن نتعامى أو نتكبر على ذلك، فهؤلاء الوافدون هم الذين يقومون بكل الوظائف والأعمال البنيوية الأساسية في هذا البلد، ابتداء من كثير من الأعمال الإدارية الروتينية المجهدة، مرورا بأغلب الأعمال التقنية والحرفية واليدوية في القطاعين الحكومي والخاص، وكذلك البيع في المحال بكل أشكالها، وغيرها من المهن كقيادة سيارات الأجرة والتوصيل للمنازل، انتهاء بعمال تنظيف الشوارع، وغير ذلك كثير جدا.

ثلث الشعب في هذا البلد من الكويتيين وثلثاه من الوافدين، ولا حياة حقيقية لنا من دونهم، وأما من سيقول لي إننا قدرنا على ذلك أثناء الغزو، فسأقول له دعك من هذا، وتعال أقنعني بألا مشكلة عند ولدك أن يعمل سائقا لتاكسي أو عند ابنتك أن تعمل في صالون نسائي، أو عند زوجتك لتكون بائعة في محل، أو أن من المقبول عندك أنت أن تعمل فنيا في كراج سيارات!

لنكن، يا سادتي، موضوعيين منصفين عند تعاملنا مع حقوق هؤلاء الوافدين الذين تركوا ديارهم في الشرق والغرب وجاؤوا إلى بلادنا بحثا عن لقمة عيش كريمة، فعملوا في هذه الأعمال التي نستنكف نحن أن نعمل بها، ولنعطهم ما يستحقون وما يعينهم على هذا العيش، حتى يعطونا في مقابله عملا جيدا وخدمة مخلصة عن طيب خاطر، ولتطبق القوانين واللوائح، يا سادتي، على الجميع، كويتيا كان أو وافدا، ولتكن هناك مصداقية حقا في الالتزام بهذا، ومع الوقت سنجد كيف أن الجميع، لن أقول سيصبحون من الفضلاء، إنما سأقول سيكونون مرغمين على الالتزام خوفا من العقوبات الواقعة.