نكتة بايخة: جامعة بـ 6 شهور!
لا أعلم إن كان المصدر الحكومي الذي سرب معلومة إنشاء جامعة جديدة خلال 6 أشهر لحل مشكلة آلاف الطلبة الذين لن تقبلهم جامعة الكويت والجامعات الخاصة في العام الحالي، جاداً أم كان يطلق نكتة سمجة و«بايخة» يستهزئ بها على أحوالنا وشباب الكويت، أو أن حالة من يقومون على الشأن العام في البلد في تعاملهم مع المشاكل الوطنية الكبرى أضحت بهذه الخفة والسطحية، فهل يعقل أن مشكلة كبرى بهذا الحجم سيتم حلها كما يروجون بإنشاء جامعة يتم تأسيسها خلال بضعة شهور؟.. وهي فترة لا تكفي حتى لتأسيس «دكان»، فهل سيستنسخون نماذج «دكاكين» التعليم الجامعية الخارجية التي حاربتها الدولة خلال السنوات الثلاث الماضية، لحل مشكلة نقص المقاعد الجامعية في الكويت؟!من المعلوم أن فترة تأسيس جامعة جديدة محترمة وتجهيزها بالكوادر التعليمية لا يمكن أن تقل عن عدة سنوات، هذا إن توافرت إمكانات مالية وفنية ضخمة للجنة المؤسسة لهذه الجامعة، وكانت محظوظة بإيجاد الأساتذة المؤهلين والموقع المناسب، إلا إذا كانت الجامعة المراد تأسيسها ذات بعد نظري بحت لتخريج مزيد من الكتبة و»عاطلي المكاتب»، علما بأن إحدى الجامعات الخاصة ووفقاً لمعلومة صديق لي لم تتمكن من إيجاد أساتذة على مستوى مقبول لمواد الفيزياء التطبيقية والكيمياء الحيوية منذ أكثر من عامين!
ونتيجة لتلك الحقائق نجد أن صاحب القرار في المملكة العربية السعودية قد استوعب الواقع وعلم أنه لن ينجز مشروعاً تعليمياً حضارياً دون أن يتعامل مع تلك الحقائق، فكانت جامعة الملك عبدالله ذات التعليم المشترك بين الجنسين تأكيداً على أن حالة الجمود وتحدي متطلبات العصر لن تنجح ولن تسعف تطلعات الأمم.وبينما تنجح القيادة في الرياض في مواجهة التشدد وفتح عصر جديد للتعليم والتأهيل لشعبها، مازال المسؤولون عن ملف التعليم الحساس عندنا يقاربون مشاكله الكبرى بمناورات سياسية وحسابات المواقع والكراسي، وهو التبرير المنطقي لنكتة «الجامعة أم 6 شهور»، فبدلاً من أن يكون هناك قرار شجاع بمراجعة قانون منع الاختلاط ورفع أعبائه الثقيلة عن جامعة الكويت، والجامعات الخاصة التي رفضت ميزانية لتوفير ألف مقعد جامعي لعدم قدرتها على استيعابها بسبب ذلك القانون، نجد المسؤولين الكويتيين يناورون بحلول ترقيعية غير قابلة للتنفيذ، ورغم أن الوقائع تقول إن من سيتخذ قرار مرسوم الضرورة بوقف قانون منع الاختلاط في الجامعة الحكومية والجامعات الأهلية سيمارس حقاً دستورياً ديمقراطياً وفق آليات دولة الدستور، وسيعرض قراره على ممثلي الأمة للتصويت عليه لاحقاً، فإنه لا يوجد من لديه القدرة والشجاعة لتبني هذا القرار ليسجل له هذا الموقف التاريخي من أجل شباب الكويت ومستقبلهم.الخفة التي يتعامل بها البعض مع قضية التعليم الجامعي ومشاكله في الكويت، تؤكد أنه لا يوجد إيمان جدي بدور الإنسان، وأن الاعتماد على براميل النفط هو الأساس، وهو ما سيكلفنا وجودنا ربما حتى قبل نفاده، ولو كان المعتقد الأساسي هو بناء الإنسان الكويتي، لشهدنا فور تكشف مشكلة المقاعد الجامعية تشكيل لجنة حكومية على أعلى المستويات وبعضوية أهم الوزارات لبحث المشكلة ووضع الحلول الجدية للقضية، وخلية عمل من مجلس الجامعة لتعديل قانون منع الاختلاط، ولجنة تنفيذية في وزارة التعليم العالي لدراسة تكلفة زيادة مقاعد البعثات الخارجية وطلب اعتمادات مالية إضافية فوراً للسنة الحالية والسنوات الدراسية المقبلة من الميزانية الرهيبة المقدرة بـ19 مليار دينار للدولة، والبدء في تأسيس مكاتب ثقافية إضافية مثلاً في الوسط الأميركي (شيكاغو) لزيادة القدرة على استقبال المزيد من الطلبة المبتعثين وتوسعة المكاتب الأخرى حول العالم لمضاعفة الأعداد المقبولة، وهو الأمر الذي سيمثل أعظم نجاح وأكبر استثمار للفوائض النفطية الكويتية، ولو تمكنا من تخريج 30 ألف مبتعث في الجامعات الأجنبية الجيدة خلال الـ15 سنة المقبلة فإن الكويت ستعيش ثورة علمية تنموية ونقلة نوعية ضخمة لا مثيل لها، سيساهم فيها أيضا تطوير الجامعات الحكومية والأهلية ورفع أعباء الوصاية والرقابة التي تكبلها... ودون ذلك فإن الحديث عن حلول المناورات واللعب السياسي لحفظ الكراسي وحسابات الانتخابات وعدد أصوات الثقة!... هي في الواقع لا تربو عن كونها نكات ومزحات «بايخة» ستدمر البلاد والعباد.