هل لدينا معارضة فعلاً؟
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن "المعارضة"، فهل لدينا فعلا معارضة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فمن هم أطرافها؟ وهل تمتلك البديل؟ والأهم من ذلك كله كيف تستطيع كمعارضة تنفيذ بديلها؟للوهلة الأولى قد يبدو السؤال عن المعارضة سؤالا غير ذي معنى، خصوصا أن مصطلح المعارضة قد استخدم سياسيا وإعلاميا بكثرة في الآونة الأخيرة، وبالذات بعد أحداث ديوان الحربش في "صليبيخات"، وما ترتب عليها من تداعيات سياسية انتهت باستقالة الحكومة وحل مجلس الأمة.
لكن مهلا... دعونا أولا ندقق أكثر في مصطلح المعارضة، ولنبدأ بتعريفه، حيث إن المعارضة السياسية بشكلها العام تعني معارضة الحكومة ككل أملا في إسقاطها والوصول إلى السلطة من أجل تنفيذ خطط وسياسات عامة بديلة عن تلك التي تنفذها الحكومة في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي يعني أن هدف المعارضة هو الوصول إلى السلطة، أي استلام قيادة الحكومة لتنفيذ بديلها السياسي، وهذا من المستحيل أن يحصل إلا في حالة وجود تداول ديمقراطي سلمي للسلطة التنفيذية.أما قيادة المعارضة فإنه يتولاها عادة إما أكبر حزب سياسي خارج السلطة وإما ائتلاف سياسي مكون من مجموعة أحزاب بينها توافق عام حول متطلبات مرحلة ما بعد إسقاط الحكومة، والآن لنعد إلى السؤال الآنف الذكر، وهو: هل لدينا معارضة حقيقية؟ الجواب هو بالنفي؛ لأن "المعارضة" لدينا ليست معارضة "البديل السياسي" القابل للتنفيذ، بل تنحصر عادة في معارضة بعض السياسات العامة الحكومية، أو بعض أجزاء السياسة العامة الواحدة مثل الاعتراض على بعض التعديلات الشكلية في المناهج الدراسية مع عدم التطرق للسياسة التعليمية ككل، والتي تعتبر المناهج جزءاً منها. كما أنه من الممكن أن يكون هناك شبه إجماع شعبي على معارضة سياسة حكومية ما، أو نهج حكومي محدد مثلما حصل أثناء "دواوين الاثنين" للمطالبة بعودة الحياة البرلمانية والمحافظة على المكتسبات الدستورية، أو مثلما حصل العام المنقضي من شبه إجماع شعبي معارض لرئيس الوزراء السابق وطريقة إدارة شؤون الدولة والمجتمع أو "النهج".مع هذا فإنه ومهما بلغت درجة "المعارضة" فإنها تبقى معارضة محدودة وناقصة؛ لأنها لن تستطيع، بحسب وضعنا الدستوري الحالي، تشكيل الحكومة وتنفيذ ما تراه من خطط وسياسات عامة، وهو الأمر الذي ربما أدى، ضمن أمور أخرى بالطبع، إلى أن ما يسمى معارضة لا تطرح بديلا متكاملا وواضحا للوضع الحالي متوافقا عليه بين أطرافها كافة، وخير مثال هنا هو مصطلح "النهج" الذي طرح خلال الأشهر القليلة الماضية.أما من ناحية مكونات ما يسمى بالمعارضة وهيكليتها فإنها تبقى في الأغلب الأعم معارضة غير منظمة سياسيا، ويغلب على تشكيلها الطابع الفردي، أي وجود أشخاص معارضين، وليس قوى سياسية منظمة ومشهرة تطرح بديلا سياسيا متكاملا للوضع الحالي.وهنا فإن ما يسمى معارضة هي أقرب لأن تكون قوى ضغط سياسي تتفق عادة فيما بينها على بلوغ هدف معين؛ مثل إسقاط الحكومة وحل مجلس الأمة، أكثر منها معارضة سياسية حقيقية تطرح بديلا متكاملا تستطيع تنفيذه بعد وصولها إلى السلطة التنفيذية أي الحكومة.ولكي يتم التغلب على هذا القصور الواضح في نظامنا السياسي الحالي الذي لا يجعل لدينا معارضة حقيقية فإنه من الممكن أن تتوافق قوى وعناصر ما يسمى مجازا "المعارضة" أثناء الانتخابات على "برنامج" نقاط محددة وواضحة للإصلاح السياسي الشامل الذي يؤدي إلى معالجة أوجه القصور، والاختلالات البنيوية في نظامنا الديمقراطي والتي أصبحت لا تخطئها العين.