بدا التقييم الأولي الذي أجريته أواسط الصيف الماضي، الذي حمل عنوان «المفاجآت العشر لعام 2011»، سلبياً وكئيباً؛ حيث انخفضت مؤشرات أداء الاقتصاد الأميركي خلال النصف الأول من العام وسادت المخاوف من حالة ركود ٍوشيكة. وعانت أسواق الأسهم خلال شهري أغسطس وسبتمبر من سقوط حاد، فيما ازدادت شدة أزمة الديون السيادية في أوروبا واتسع نطاقها.

Ad

وتجاوز سعر الذهب المستوى الذي توقعته (والبالغ 1600 دولاراً للأونصة) لأن المستثمرين في مختلف أنحاء العالم فضلوا الاحتياط من المخاطر باللجوء إلى الأصول الثابتة. وعلى عكس توقعاتي لها بالارتفاع، هبطت أرباح سندات الخزينة الأميركية بسبب انصراف المستثمرين عن أسواق الأسهم، واستثمار أموالهم في سندات الدين الحكومي لدولة ذات جيش قوي وقدرة كبيرة على طباعة المال.

وبالنسبة لعام 2012، فقد جاءت المفاجآت العشر المتوقعة كسابقاتها نتيجة لقيامي بسلسلة من عمليات التعديل والتطوير عليها لأشهر عدة. كما استندت في نتائجي إلى آراء العديد من الناس الذين قابلتهم، بمن فيهم مجموعة نقاش «الخميس الثالث» التي ضمت عدداً من مديري الأبحاث الاقتصادية السابقين في وول ستريت؛ إضافة إلى جيديون روز وجوناثان تيبرمان من مجلة «فورين أفيرز» الأميركية (الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي)؛ وتوم بايلي، مؤسس «صناديق جانوس» الاستثمارية الأميركية؛ وجورج سوروس؛ علاوة على مجموعة أخرى من الأصدقاء والزملاء السابقين. وفي النهاية، أنا كاتب هذه المفاجآت، وأتحمل مسؤوليتها سواء كانت إيجابية أم سلبية.

وأقصد بمفهوم «المفاجأة» المطروح هنا الإشارة إلى أي حدث يؤثر جدياً في الأسواق، ويحتمل المستثمر العادي وقوعه في السوق بنسبة واحد إلى ثلاثة في العام؛ بينما أؤمن بإمكانية وقوعه بنسبة أكبر قد تتجاوز الـ 50 في المئة.

المفاجآت

1 - تقول أولى مفاجآتي العشر ان عمليات استخراج النفط والغاز من الصخور الزيتية ستغدو منعطفاً أساسياً في القطاع النفطي، الأمر الذي سيؤثر على أسعار النفط ليعيدها إلى عتبة الـ85 دولاراً للبرميل، وستتخلص الولايات المتحدة الأميركية تدريجياً من الاعتماد الكبير على المخزونات النفطية في الشرق الأوسط. وذلك علاوة على الأنباء الجيدة والواعدة عن المخزونات النفطية في بولندا وأوكرانيا وغيرها. وسيكون انخفاض أسعار النفط نتيجة للإنتاج المتزايد للنفط في ليبيا والعراق، إضافة إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط نتيجة التباطؤ الاقتصادي.

2 - أما المفاجأة الثانية فهي ازدياد المكاسب التي ستحققها الشركات الأميركية لتدفع بمؤشر «ستاندرد آند بورز500» إلى أعلى من مستوى 1400 نقطة. وستحافظ المواد الخام على أسعارها المعتدلة، بينما سيتأقلم رواد الأعمال بنجاح مع تباطؤ النمو الاقتصادي عبر استخدام التكنولوجيا لتخفيض مستويات العمل والمكونات اللوجستية للبضائع والخدمات المبيعة. وستحافظ هوامش الربح على ارتفاعها.

3 - وبالنسبة لمفاجأتي الثالثة، فأنا أرى زخماً جديداً في الاقتصاد الأميركي؛ إذ سيتخطى معدل النمو الحقيقي 3 في المئة، مع انخفاض معدل البطالة إلى أقل من 8 في المئة. وسيعاد النظر في المخاوف من حدوث الركود، والآراء التي تقول ان النمو الاقتصادي البطيء المطوّل هو حالة طبيعية. وستتحرك عجلة الاقتصاد بفعل النفقات الرأسمالية والصادرات والمستهلكين، الأمر الذي سيذلل العوائق المالية الراهنة. وسيكون من شأن انخفاض أسعار النفط وارتفاع مؤشرات الأسواق المالية أن يحسّنا ثقة العميل وأنماط الإنفاق على حد سواء.

4 - إن عملية إنعاش الاقتصاد وانخفاض معدلات البطالة في البلاد ستساعد الرئيس أوباما في إقناع الناخبين بأن أداءه كان جيداً خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى رغم كل شيء؛ وهذه هي المفاجأة الرابعة. ويعتبر الرئيس أوباما متحدثاً جيداً، ولكن لا ترقى قدراته القيادية إلى الحد المطلوب مقارنة بمنافسه ميت رومني الذي يعد رجلاً غير ملهم، وذي مواقف تتسم بعدم الوضوح حيال مواضيع عديدة. وسيستعيد الديمقراطيون سيطرتهم على مجلس النواب، إلا أنهم سيخسرون مجلس الشيوخ.

5 - ستعمل أوروبا أخيراً، وفقاً لمفاجأتي الخامسة، على تطوير خطة شاملة للتعامل مع مشكلة ديونها السيادية، وستقترب من التماسك المالي. وسيتحالف البنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، وآلية الاستقرار المالي الأوروبي، والاتحاد الأوروبي معاً للحفاظ على تماسك الاتحاد، والاستمرار في تبنّي اليورو كعملة أوروبية موحدة. كما ستتم إعادة هيكلة جزء كبير من الديون اليونانية، وستعكف إسبانيا وإيرلندا على تقوية أوضاعهما المالية خلال السنة، ولكن إيطاليا ستعاني من عملية إعادة هيكلة «طوعية» لديونها. وستتفادى البنوك في القارة الانهيار، إلا أن ذلك سيفرض سياسة تقشفية تدفع أوروبا الى المعاناة من الركود.

6 - تدور المفاجأة السادسة حول أن أجهزة الحواسب ستحل محل الأسلحة التقليدية كسلاح أساسي للإرهابيين والخصوم في الجغرافيا السياسية. وسيغزو قراصنة الكمبيوتر من أوروبا الشرقية وآسيا بنوك البيانات الخاصة بأهم المؤسسات المالية في العالم، مما سيؤدي إلى إغلاق بعض مصارفها. وستلتقي الدول العشرين الكبار في قمة طارئة لمعالجة المشكلة.

7 - تخوض المفاجأة السابعة في مسألة أن النمو السريع للمعروض النقدي في العالم المتطور سيشجع المستثمرين على شراء الأوراق المالية الخاصة بالدول التي استطاعت تدبر أمورها الاقتصادية بحنكة وعقلانية؛ وهو أمر سيعود بالفائدة على عملات الدول الاسكندينافية، والدولار الاسترالي والسنغافوري وعملة الوون الكورية.

8 - يدرك الكونغرس الأميركي، في المفاجأة الثامنة، أن موقفه السلبي يضر بمصالح الحزبين، فيتجه للتحرك قبل انتخابات نوفمبر للتعامل مع فشل اللجنة العليا بهدف تطوير برنامج لخفض عجز الميزانية الأميركية بحدود 1.2 تريليون دولار خلال عشر سنوات. كما ستشهد موازنات الدفاع والرعاية الطبية تخفيضات كبيرة، وكذلك ستنخفض نسبة الإعانات المالية المقدمة للقطاع الزراعي، إضافة إلى تعديل ضرائب النفط والغاز، وإعادة صياغة الشراكات العقارية. وسيتعهد الرئيس أوباما بمتابعة بعض بنود برنامج خفض الضرائب- الذي أطلقه سلفه بوش- في حال تم انتخابه من جديد.

9 - بعد موجة تصحيح حادة قبيل نهاية 2011، يسجل الذهب ارتداداً ويصل سعره إلى 1800 دولار خلال العام. وسيكون من شأن السياسات النقدية المعدلة التي تتبعها الدول المتقدمة أن تتسبب بهجرة جديدة إلى الأصول الثابتة من قبل المستثمرين الأفراد وصناديق الثروات السيادية. كما سيستفيد الفضة من هذه الأوضاع ويرتفع إلى 40 دولارا. ولكنني لا أعتقد أن احتمال وقوع هذه المفاجأة يزيد على 50 في المئة و/أو أنها لم ترق للمستوى اللازم من الأهمية بالنسبة للمستثمرين كما هي باقي النقاط التي اخترتها.

10 - أما المفاجأة العاشرة، فهي أن الأسواق الناشئة ستحظى بعام جيد بعد سنتين من الأداء المحدود لأسواق الأسهم فيها، بالرغم من أن اقتصاداتها تشهد نمواً عالياً أحادي الخانة. ويتباطأ النمو بعض الشيء، ولكن التقييمات الإيجابية تمكن المؤشرات المالية للصين والهند والبرازيل من الارتفاع بنسبة تتراوح بين 15 في المئة و20 في المئة.

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون