الحراك الشعبي في الكويت الداعي إلى الإصلاح السياسي والتجديد الديمقراطي مستمر لم يتوقف قط على الأقل منذ بدايات القرن الماضي، إذ إن المصادر السياسية والتاريخية تؤكد أن هذا الحراك الشعبي لم يتوقف حتى في أحلك الظروف الأمنية التي ترافقت مع حل مجلسي 1921 و1938، أو تلت حالتي الحل المتجاوز للدستور عامي 1976 و1986.

Ad

صحيح أن الحراك الشعبي قد يتباطأ أحيانا لكنه لم يتوقف قط، وقد كان أشهر حراك شعبي منظم وواسع شمل مناطق الكويت كافة وطالب بعودة العمل بالدستور والتمسك بالمكتسبات الدستورية، وهو ما تحقق فعلا بعد الاحتلال العراقي الغاشم، هو "ديوانيات الاثنين"، ناهيكم عن الحركة الشبابية المعروفة باسم "نبيها خمس" التي طالبت بتغيير نظام الدوائر الانتخابية، والتي تعتبر هي أيضا دليلا آخر على الحراك الشعبي المنظم والمؤثر.  أضف إلى ذلك الحراك النيابي والشعبي الذي حصل نهاية العام الماضي بعد تعطيل جلسات المجلس، ثم أخذ زخما شعبيا واسعا بعد أحداث ديوان النائب الحربش، وتقديم استجواب إلى سمو رئيس مجلس الوزراء على إثر اعتداء قوات الأمن على المواطنين والنواب في تلك الليلة المشؤومة في الثامن من ديسمبر 2010.

إذن وبناء على ما سبق فإنه يمكننا القول إن الحراك الشعبي الكويتي المطالب بالإصلاحات السياسية والديمقراطية قد سبق نجاح الثورات العربية في كل من تونس ومصر، والتحركات الشعبية المترتبة عليها في بعض الدول العربية الأخرى، رغم عدم إغفال تأثير تداعيات ما يجري في المحيط العربي على الساحة المحلية، وهو الأمر الذي منح الشباب المزيد من الثقة بالنفس، وألهب حماسهم للإسراع في إنجاز الإصلاح السياسي والديمقرطي الذي يطمحون إليه؛ على الرغم من أن نجاح مطالب الإصلاح السياسي تتطلب، بالإضافة إلى توافر الظروف الموضوعية، توافر ظروف ذاتية مناسبة أيضا تتعلق بالتوافق الوطني العام على هدف أو أهداف عملية الإصلاح السياسي أو التغيير الديمقراطي، واختيار الشكل أو الأشكال المناسبة لتحقيقه، وهو ما نظن أنه لم يتبلور حتى الآن في تحركات الشباب المطالبين بالإصلاح السياسي.  وإن من الملاحظ عفوية تنظيم الاجتماعات العامة التي دعا لها الشباب أيام "الجمع" وعدم التوافق الوطني على مطالب الإصلاح السياسي والديمقراطي الشامل، وهو الأمر الذي قد يتيح المجال لمن يبحث عن تسجيل البطولات الفردية أو لمن لديه "أجندة" خاصة في أن يتسلق على حركة الشباب المخلص والمتحمس، والمطالب بمستقبل أفضل مما يسهل من عملية إجهاضها.

 إذ إن الدول العربية التي قامت فيها الثورات الشعبية، ونجحت فيها الاحتجاجات المطلبية يتوافر لديها إرث ضخم وغني في تنظيم العمل العام؛ لأن العمل السياسي فيها منظم، وتوجد فيها أحزاب سياسية عريقة لها باع طويل في كيفية تحريك الجماهير وتنظيمها، وبلورة مطالبها، وتحديد الشعارات السياسية المناسبة للتحرك الشعبي، وهو الأمر الذي نفتقده في الكويت.

لهذا ومن منطلق الحرص على نجاح المطالب الشعبية الحالية الداعية إلى الإصلاح السياسي الشامل، وتطوير نظامنا الديمقراطي واستقراره، وحتى لا تستغل قوى الفساد وأعداء التطور الديمقراطي بعض الأخطاء الفردية التي حصلت أو من الممكن أن تحصل أثناء التحركات الشبابية، ثم تبرزها بشكل مبالغ به بغية إفشال المطالبات الشعبية المنادية بالإصلاح السياسي، ومن أجل المحافظة على حضارية التحرك الشعبي وسلميته والتزام القائمين عليه والمشاركين به بالقانون، وعدم التصادم مع إخواننا رجال الأمن الذين يقومون بواجبهم المتعلق بحماية المجتمعين والمحافظة على حسن سير النظام العام، فإنه يتعين على القوى والعناصر الشبابية السياسية بلورة مطالب الإصلاح السياسي والديمقراطي بشكل واضح لا لبس فيه بعد عملية توافق وطني عام على هذه المطالب، ثم الاتفاق بعد ذلك على الأشكال المناسبة للتحرك الشعبي الذي يقوده الشباب لطرح هذه المطالب الشعبية المستحقة، والتي قد يكون من ضمنها الدعوة إلى التجمعات في الساحات العامة.