التنوع في أي مجال ضرورة لمقدرته على الإحاطة بالأشياء وتأمين النجاح اللازم لأي خطوة في التنمية والبناء من خلال الغنى الذي يكتنزه والتكامل الذي يوفره في حال التوافق والانسجام... والأوطان المتنوعة بالعرق والدين وغيرهما والتي أحسنت توظيف هذا التنوع بمشروعها استطاعت القفز نوعاً وكماً في البناء.
الاستبداد ليس حالة غير شرعية، بل حالة سادية ومناقضة للفطرة الإنسانية، والنظم المحسوبة عليه والتي خرجت من إبطه لم تنجح بأغلبيتها في امتحان الدولة وحقوق الإنسان، لكنها حققت تفوقاً عالياً "بالدولة الأمنية".حيث احتضنت أغلبية الشعب في شرانق وأقبية صمودها، ثم قدمته قرباناً لـ"آلة الممانعة" ومازالت، وكأنها- أي النظم- مولودة من حمل "سفاح"، ناهيك عن "التطيف"، الذي عادة ما تحمله أقلية طائفية وقد تسربت إلى السلطة بأدوات الاستبداد لتزيد الطين بلّة، فتزيد على الاستبداد استبداداً آخر، لتلجأ أولاً إلى تحويل الجيش من مؤسسة شبه وطنية إلى طائفة، والجهاز الأمني من قمعي إلى مشرحة، إضافة إلى تعبئه الأقليات على قاعدة لا يحمي الأقلية إلا الأقلية، إضافة إلى استقطاب كل مبارِك ومؤيد "لهذه الخلطة" في السلطة خصوصاً من المؤسسة الدينية الرسمية وغيرها من الطوائف الأخرى التي تحمل مسؤولية "المباركة والترويج والشرعنة". وخطورة هذا النمط السلطوي الطائفي ليست بالكلفة البشرية والمادية خلال حكمه، بل العالية جداً في حال الثورة والتغيير، حيث تتوافر فرصة "التشظي" للمكون عموماً.وتعتبر الحالة السورية هي المثال الحي على ذلك، فالتنوع لديها متماسك ولم يستثمر بعد، وكانت له تجربة جيدة في أربعينيات القرن الماضي، والوطن تحت الاحتلال، حيث أفرز لنا الملحمة الوطنية "فارس خوري" كرئيس للوزراء وبأجواء من الحرية والاختيار الحر فحقق الإجماع الوطني فكان خير ممثل لهذا التنوع.والحالة الاستبدادية التي نعيشها الآن في ظل "البعث القائد" قد بددت كل الأرصدة الوطنية المتحققة سابقاً، وأفرزت لنا منذ بداية السبعينيات، حتى الآن "الأب القائد ووريثه" اللذين حولا الكيان إلى مزرعة دون سياج، وأقصيا كل حالة وطنية يمكنها حتى التخفيف من أثر الدمار الذي نعيشه.إذن أفرزت الديمقراطية ملحمة وطنية قادرة على إفراز ملاحم أخرى، والاستبداد أفرز لنا الطائفية وما تقدمه الآن من فظاعة المشهد وربما تفرز لنا أكثر من ذلك.النفخ في "قربة" الطائفية ليس من شيم الثوار والذين يدفعون دماءهم في سبيل حرية وطنهم ومنعته وعزته، بل هي إحدى أهم تجليات الاستبداد التي أصبحت فكراً ومنهاجاً لسلوك الممانعة.فأربعة عقود كافية ليس لترسيخ هذا النهج فحسب، بل كافية لبعثرة الأوطان وإعدام أي وحدة وطنية مهما كانت راسخة، أيضاً. وحصادنا الحالي من هذه الثقافة ليس لظلاميتها وليس بالاستباحة فحسب، إنما بزعزعة إيمان بعض مكونات هذا التنوع التي فقدت الثقة بالوطن وربطت مصيرها بالاستبداد باعتباره الضامن المعتمد لوجودهم وأمنهم. أما الذين آثروا الانكفاء خلف "القائد الممانع" المنهك القوى، فقد تركوا أبناء جلدتهم يُحملون بالنعوش- إن توافرت- دون حميّة؛ ناسين أن مشاركتهم بالثورة تخفف العبء وتختصر المسافة، وتحمي الوحدة الوطنية للبلاد، وأن نسائم الحرية ستشمل الجميع، وبهذه النسائم سيكون الوطن الضامن الأهم لكل التنوع والأطياف وليس للبعض، فهل نعيد الحساب ونعود إلى الوطن؟!
مقالات
الأقليات... والحسابات المغلوطة
10-03-2012