لا يسقط الظلم!
كنت وما زلت أتساءل: لماذا ينبت الطغاة ويتكاثرون كالفطر البري وكالنبات الشيطاني في بلادنا العربية؟!لماذا يسقط ظالم ليحل محله ظالم آخر؟!
عبارة «التاريخ يعيد نفسه» عُملة غير صالحة للتداول سوى لدينا، وطعام غير صالح للاستعمال الآدمي سوى لمعدنا الخاوية، والتي يسهل عليها هضم هذه العبارة الفاسدة.هل نحن دون سائر شعوب الأرض قاطبة بلا كرامة؟!بلا إحساس؟!بلا آدمية؟!هل نحن كائنات وُجدت بالخطأ ضمن هذه الحياة؟!لماذا يتناوب على قمعنا كل من انتُزعت من قلبه الرحمة، ومن روحه قيم العدالة، ومن ضميره الإيمان بالمسؤولية؟!هل يختبئ في داخل كل فرد منا طاغية يتحيّن الفرصة للظهور، وبالتالي فإن أي شخص منّا –أيّاً كان- يتولّى إدارة مصيرنا سيذيقنا أنواع الضيم، والذلّة، والمهانة كمصداقية صارخة لمقولة: مثلما تكونوا يولّى عليكم؟!أنا وربما بفعل التمنّي فقط لا أكثر، أقول إن ليس مما سبق سببا لما نحن فيه،أظن أن السبب مختلف كليا عمّا ذكرته آنفا، ولا أدري إن كان أقل أو أكثر تعقيداً!إذ اعتقد أننا شعوب اتكاليّة بشكل عظيم، ربما لأسباب جينيّة أو دينيّة أو نفسية... لا أعلم، ولكنّا دائما نبحث عمن يخلّصنا من مآسينا.نترقّب وننتظر ونقضي السنين الطوال ممسكين «بمسبحة» الصبر بانتظار «غوته» أو المهدي المنتظر!نرسل الدعوات إلى السماء إثر الدعوات،نقرأ الودع، نضرب الرمل،نرتاد كهوف العرافات،نقّدم نساءنا للمنجّمين،نذبح القرابين،ولكنا أضعف من أن نعمل عملا صالحا وفاعلا لتغيير واقعنا السيئ.إننا فقط ننتظر «المخلّص» الذي سيأتي من رحم الغيب ليزيح عن كواهلنا الظلم والعذاب ويعيد لنا كرامتنا المسلوبة، ويرتق لنا عِزتنا المستباحة،وفي لحظة ما من الزمن تخلقها الظروف يظهر فجأة هذا البطل ليُخرجنا من الظلمات إلى النور، ويقودنا كالدراويش، ويدفعنا «أمامه» كالنعاج لنخوض حرب الكرامة نصرة للحق والعدالة المشتهاة،.يموت منا من يموت، وتترمّل من نسائنا من تترمّل، وتُثكل من تثكل، ويتيتّم من أطفالنا من يتيتّم، وهو خلفنا يبثّ فينا روح الحماسة والقتال بخطبه النارية ويصيح بنا: إلى الأمام!وبعد أن يسقط الطاغية السابق، نحمل بطلنا القادم على أكتافنا، وننصّبه رمزا وقائدا لنا عرفانا له بالجميل بعد أن خلّصنا من ذلك الظالم.كيف لا وقد منحنا القوة بعد ضعف؟! وروح القتال بعد خنوع؟! والثورة بعد استسلام؟!كنا في الدرك الأسفل من نار الحياة لولا أن بعثه الله لنا، وهذه القناعة بالذات يشاركنا إيّاها هذا البطل بنفس القدر من الإيمان إن لم يكن أكثر،وهذه القناعة هي أيضا ما تجعل هذا البطل يؤمن أنه هو من وهبنا الحياة وهي بالتالي ملك له وتحت تصرفه!نحن لا نشارك فعليا في قيادة مصائرنا كجماعات، نحن دائما بانتظار فرد يقودها، ولا نساهم في صناعة حياتنا إلا كضحايا.وبالتالي يسقط الظالم من حياتنا ولكن لا يسقط الظلم.المُفرح في ثورات الربيع العربي أنها وربما لأول مرة بلا زعمات فردية، وليس فيها من يحمل «كاريزما» البطل المنتظر.