يوم الاثنين الماضي عايشت في "ساحة الإرادة" تجربة مختلفة وجديدة على صعيد قضية غير محددي الجنسية "البدون"، تعددت الأطراف فيها وإن كانت مقسومة بين طرفين رئيسين: الأول مؤيد لقضية "البدون" والثاني هو وزارة الداخلية التي تفرغت "لتمويت" أي حراك مهما كان نوعه ما عدا تجمعات "الدمى المتحركة" التي تشارك الوزارة في تنظيمها بكل سعادة وسرور.
كان العنوان الرئيس الذي جمعنا كأطراف مثل "جمعية الخريجين" و"الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان" و"التيار التقدمي" و"حزب الأمة" و"حركة كافي" ومجاميع شبابية ناشطة في مجال حقوق الإنسان وشخصيات عامة مثل الدكتور غانم النجار، هو التضامن مع قضية "البدون" الإنسانية واستنكار استعمال الحل الأمني مع تجمعاتهم السلمية في تيماء يوم الجمعة الماضي ويوم الاثنين الذي تصادف مع يوم الوقفة التضامنية، وكان كما وصف لنا دامياً.ساحة الإرادة وبفضل حماس وزارة الداخلية لأداء واجبها تحولت ولأول مرة في تاريخها إلى ثكنة عسكرية حقيقية، فقد أغلقت كل المنافذ المؤدية إليها بحواجز معدنية، ولم يترك غير منفذ يتيم لا يعبر منه سوى أصحاب المعالي حاملي البطاقة المدنية من الكويتيين فقط، الحشد الأمني من سيارات الدورية وعناصر الأمن المعلن والمخفي "مبثوثون" في محيط ساحة الإرادة تتقدمهم سيارة النقل التلفزيوني.في طريقي وأنا في السيارة إلى "ساحة الإرادة" أتاني اتصال من الأخت مها البرجس نائبة رئيس "جمعية حقوق الإنسان" تخبرني بأن وزارة الداخلية أغلقت الطريق بوجهنا ثم صمتت لبرهة كأنها تريدني أن أسمع ما يدور بينها وبين رجل الأمن "لو سمحتِ ممكن الإثبات؟"، ردت عليه أنا فلانة ودخلت ولم تعطه أي إثبات، قبل أن أصل إلى المواقف الترابية المقابلة للكنيسة استقبلتني دورية شرطة عند المدخل وكان السؤال "ممكن الإثبات؟"، وهو ما يعني أني سأسأل مرتين هنا وعند مدخل "حضرة" ساحة الإرادة.في داخل ثكنة الإرادة كان المكان غير المكان، فلم أشعر بغير حقيقة أننا نعيش في ديمقراطية منقوصة خاضعة للتحسن أو التراجع حسب أهواء السلطة، فبينما تخرج علينا الجهات المعنية بأن حق التظاهر والتجمع السلمي هو للكويتيين فقط، أتذكر المادة "44" من الدستور التي نصت على أنه "للأفراد حق الاجتماع دون حاجة لإذن أو إخطار سابق..."، للأفراد وليس الكويتيين، والمذكرة التفسيرية أكدت هذا الحق للجميع، وقالت "للناس" وليس للكويتيين فقط، وأتذكر قبل أسبوعين تجمعنا من أجل المعتقلين الكويتيين في غوانتنامو أمام ساحة "جمعية حقوق الإنسان"، وكيف منعتنا الداخلية دون وجه حق من وضع الكراسي لكبار السن والمتعبين من الوقوف الطويل، بالمقابل كانت "جمعية حقوق الإنسان" أكثر إنسانية منهم ولم تمنع عناصر الداخلية من استخدام دورة المياه فيها، خلاصة القول التضييق على الجميع.بينما كنا داخل الثكنة وصلنا خبر بأن مجاميع من "البدون" موجودون في الخارج، ومعهم شباب كويتيون رفضوا الدخول بالبطاقة المدنية ومنهم الأخوان خالد الفضالة وعبدالله الشلاحي وبسرعة اتخذ الموجودون القرار وهو الخروج من الثكنة والانضمام إليهم، وإقامة الوقفة التضامنية في المكان الذي يجمعنا كبشر، ويرخصه لنا الدستور، وليس ما تختاره لنا وزارة الداخلية.إن قضية "البدون" وصلت إلى النقطة الحرجة، وهي المواجهة، وكل ما أخشاه هو سقوط أول قتيل منهم بسبب التعامل الأمني الخشن معهم، وليس أمامنا سوى المطالبة بحسم هذا الملف المؤجل بصورة عادلة وإنسانية.
مقالات
الأغلبية الصامتة: أول قتيل من البدون
22-12-2011