إن عمل النائب ليس عملا فرديا، خصوصا مع عدم وجود أحزاب تنظم العمل السياسي، بل يجب أن يكون عملا جماعيا، وهذا يتطلب وجود كادر متخصص يساعد النائب في أداء مهامه، ولذلك يجب على المجلس إلغاء قرار أحقية النائب بانتداب خمسة عشر سكرتيرا مع خصم البدلات منهم.

Ad

موضوع اليوم قد لا يبدو مهما بالنسبة إلى ما يحدث من هرج ومرج في البلد، وقد يبدو سطحيا وهامشيا جدا لدى الكثيرين، لكن في اعتقادي أنه مهم إن كنا نتحدث عن عمل برلماني متكامل يشارك فيه العديد من المواطنين لا النواب فقط.

في الدول المتقدمة لا تعتبر وظيفة سكرتير نائب البرلمان وظيفة عادية، أو وظيفة من يريد الهروب من العمل الرسمي والالتزام إلى التسيب والراحة، أو وظيفة يستخدمها النائب لترضيات انتخابية، بل تعد وظيفة مرموقة يفتخر صاحبها بوضعها في سيرته الذاتية لأنها ليست وظيفة سكرتارية بالمفهوم الدارج، بل تسمى بـ"مساعد عضو البرلمان" لأنه يساعد النائب في إعداد القوانين، وقراءة التقارير المختلفة، وصياغة النقاط الضرورية في كلماته التي يلقيها في الجلسات، بل قد يصل في بعض الأحيان إلى طرح أفكار جديدة للنائب لتبنيها.

لكن للأسف فإن هذا المفهوم غائب عن أغلب سكرتارية أعضاء المجلس الحالي، حيث يقتصر دور أغلبهم على تخليص المعاملات أو مجرد الجلوس في البيت، وقد كشف قرار "إلزامية التبصيم" عليهم حجم سوء استغلال هذه الوظيفة من قبل أغلبية أعضاء المجلس.

وقد ساهم في انتشار هذه الظواهر السلبية قرار المجلس الخاص بحق انتداب النائب خمسة عشر سكرتيرا من الوزارات بينما لا تسع مكاتبهم سوى لخمسة في أحسن الأحوال مقابل خصم كل البدلات منهم ومنحهم بدل سكرتارية، وهو مبلغ كان قليلا وصار أكثر قلة مع الكوادر والزيادات التي أقرت للوظائف المختلفة في القطاع العام. فبات استقطاب النواب الجادين للكفاءات للعمل معهم أمرا بالغ الصعوبة حاليا، وصار لزاما على الكفاءات التضحية بالراتب مقابل العمل مع النائب لاعتبارات أخرى غير مادية، وهؤلاء يعتبرون عملة نادرة حاليا.

فالسكرتارية الجادة لا يقتصر عملها على أوقات الدوام الرسمي فقط، بل يتعداه إلى استقبال مكالمات الناخبين صباحا ومساءً إضافة إلى الالتزام مع النائب في ديوانيته الأسبوعية وزيارة بعض الدواوين مثلا، ولذلك فهي مهنة متعبة لمن يعمل بجد وتستحق في المقابل راتبا يتناسب مع مقدار هذا التعب حتى يسهل استقطاب النواب للكفاءات، وهذا بالطبع ينعكس إيجابا على أداء النائب لمهامه الرقابية والتشريعية.

وهنا طبعا نتحدث عن النواب الجادين المخلصين في عملهم لا النواب المدمنين على الندوات والميكروفونات، فالنائب بحاجة إلى محاسب يقرأ له تقارير ديوان المحاسبة ويستخلص منها أهم النقاط، وهو بحاجة إلى اقتصادي يساعده في تحليل التقارير الاقتصادية ومشاريع القوانين، وهو بحاجة إلى قانوني وقد يحتاج إلى تخصصات أخرى حسب اهتماماته.

فما نريد أن نصل إليه في النهاية أن عمل النائب ليس عملا فرديا، خصوصا مع عدم وجود أحزاب تنظم العمل السياسي، بل يجب أن يكون عملا جماعيا، وهذا يتطلب وجود كادر متخصص يساعد النائب في أداء مهامه، ولذلك يجب على المجلس إلغاء قرار أحقية النائب بانتداب خمسة عشر سكرتيرا مع خصم البدلات منهم، وفي المقابل يتم تقليص العدد إلى خمسة أو سبعة مع استلامهم لرواتبهم كاملة، كما هي في القطاع العام، فالوضع الحالي يسبب هدرا كبيرا في المال العام لأن العدد الكبير من السكرتارية مع عدم وجود حوافز لا يستقطب سوى قليلي الكفاءة الذين لم يضيفوا شيئا إلى العمل البرلماني مع وجود استثناءات قليلة.