كنت كتبت عن هذا الموضوع منذ أعوام، ولكن ما أشبه الليلة بالبارحة، فكأنه لم يتغير شيء، حيث لا تزال ذات الأسئلة تطرح نفسها ولا تزال نفس التساؤلات والنقاشات قائمة تتردد، وكأنها ما ذهبت ولا عادت، إنما ظلت نابضة حية طوال الوقت، دون أن تجد الجواب الكافي ولا العلاج الشافي. معرض الكتاب انطلق مجددا في دورة جديدة له، لتنطلق معه ذات الأسئلة عن الرقابة التي تفرضها وزارة الإعلام على الكتب، وعن هدفها وجدواها في زمن الإنترنت والفضاءات المفتوحة وسقوط مجد الحدود الجغرافية والجمركية.

Ad

بطبيعة الحال، سنجد من يقول، وأعترف بأني من هؤلاء، وما تأثير بضع مئات من العناوين الممنوعة على الميزان في مقابل عشرات الآلاف من الكتب التي يزخر بها المعرض؟ وهل تباطؤ أو توقف العجلة الثقافية، وعزوف الناس عن القراءة والتثقف ما حصل إلا بسبب غياب هذه العناوين بالذات؟ بضع مئات، بل حتى بضعة آلاف من الكتب، لن تعرقل المسيرة الثقافية المعطلة عن الانطلاق، والناس في الواقع ليسوا في تيه وحيرة وابتعاد عن القراءة والثقافة لأن الكتب الجيدة ممنوعة، وليس أمامهم سوى الرديء فعزفوا عنه، بل من واقع تجربتي الشخصية، وفي كل عام، لطالما وجدت في ذات معرض كتابنا المتهم دوماً بالضعف والركاكة بسبب المنع والرقابة، جواهر ونفائس من الكتب التي لم يعطها أي أحد اهتماماً أو حتى أحس بوجودها، لا من النخب المثقفة ولا من تلك المجموعة المتذمرة دوماً من الرقابة، ولا من عموم الناس. لكنني وإن كنت قد قلت هذا، فظهرت في مظهر من كأنه يقف في صف الرقابة، سأقول بأني لست كذلك أبدا، بل أؤمن تماما بأن رفض وجود الرقابة على الفكر والكلمة المطبوعة هو فكرة جوهرية مبدئية. لا أدري حقا عن أي رقابة يتحدثون ونحن في عصر صار فيه كل شيء في متناول اليد، أو سأقول في متناول العقل، فهذا هو مناط الأمر، بكبسة زر؟ كل الكتابات المرفوضة دينياً وسياسياً واجتماعياً غدت متاحة على الإنترنت، ولا أشك أن الرقيب يعلم بهذا، فليس هو بالساذج ولا الغائب عن العالم، ولا الذي لا يعرف ما الإنترنت ولا يمتلك كمبيوترا أو "سمارت فون". لهذا أدرك أن ذاك النشاط المحموم، الذي تقوم به وزارة الإعلام لمراجعة آلاف العناوين ومنع ما لا يروق لها منها، تعلم هي بنفسها، أنه ليس سوى مضيعة للجهد والمال والوقت، يشابه عشرات المضيعات الأخرى التي تنخرط فيها أجهزتنا الرسمية بلا فائدة، ليس من باب الإيمان بها حقا، إنما خوفاً من الراصد الإعلامي والضاغط السياسي، فأنا مقتنع بأن وزارة الإعلام عندنا مستمرة بمزاولة الرقابة على معرض الكتاب، خشية السقوط في مصيدة الصراع السياسي وابتعادا عن اشتعال أزمات سياسية تكون هي طرفا فيها، وذلك لأنها لو تركت معرض الكتاب دون رقابة، لهاجمها الجميع من كل الاتجاهات، كل من زاويته بسبب السماح لتلك الكتب التي سيراها، وقد أساءت إلى عقيدته أو مذهبه أو انتمائه أو أصله أو تاريخه، أو غير ذلك! في تحقيق صحفي قديم كنت تحدثت عن الرقابة، فقلت إن الحل يكمن في الرقابة البعدية لا الرقابة القبلية التي تمارس حالياً، وكنت أقصد ضرورة وجود لوائح دستورية واضحة تشارك في صياغة معاييرها الأطراف المختصة، حول ما لا يجوز الخوض فيه كتابة، دينياً وسياسياً واجتماعياً، على أن تسند هذه اللوائح بعقوبات رادعة في حق المتجاوزين سواء من الناشرين أو الكتّاب. وبهذه الطريقة ستعمل هذه الرقابة البعدية بنفسها، ودون الحاجة إلى وجود لجنة مختصة من وزارة الإعلام أو أي جهة أخرى كانت ستنظر في العناوين والمحتويات، وسيصبح القراء هم الرقباء، وسيصبح الناشر والكاتب وليي أمر نفسهما، فيعرفان ما يجوز الخوض فيه وما لا يجوز، إما إيماناً واقتناعاً، وإما خوفاً من تحمل العقوبات الضخمة التي ستفسد عليهما أي حلاوة قد تتحصل من نشر ذلك الكتاب المرفوض قانونياً، وسيكون القضاء هو الحكم.

على أي حال، واضح أن موضوع الرقابة سيظل موضوعاً متكرراً بلا حل في المنظور القريب، في ظل واقعنا السياسي الملتبس حاليا وللأسف، وإن كانت هناك من نصيحة إيجابية أوجهها اليوم فهي للقراء بالحرص على زيارة معرض الكتاب والبحث بين أرففه، فهناك آلاف الكتب القيمة التي تستحق الاقتناء والقراءة، على الرغم من كل ما يقال عن المنع وغيره.